گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد دوم
الجزء الثانی






أمور هامّۀ یجب التنبیه علیها
اشارة
وقبل أن نتناول ما تبقی من القواعد الفقهیّۀ بالبحث ینبغی الإشارة إلی أمور:
1 لابدّ من تدوین علم مستقل بشأن القواعد الفقهیّۀ -
القواعد الفقهیّۀ هی من أهم الأمور التی یجب علی الفقیه معرفتها، ومعرفۀ مواردها، وشرائطها، وما یُستثنی منها، وذلک لاستناء کثیر
من المسائل الفقهیّۀ علیها، بحیث لا یمکن الجزم بالحکم الفقهی غالباً بدون ذلک. وکیف یتسنّی للفقیه البحث عن کثیر من مسائل
عدم » و ،« لا ضرر » و ،« ضمان الید » و ،« الصحۀ » و ،« لا حرج » الفقه فی أبواب العبادات والمعاملات مع عدم احاطته بموارد جریان قاعدة
وغیرها، وعدم قدرته علی التفریق بین، مواردها وموقفها من سائر الأدلۀ من الأمارات .. « الالزام » و « السبق » وقاعدة ،« ضمان الأمین
والاصول. ولکن، رغم هذه الأهمیّۀ لم یُبحث عنها إلّانادراً وتباعاً، مع أنّها تحتاج إلی أبحاث مستقلۀ وشاملۀ ومستوفیۀ. القواعد الفقهیۀ،
ج 2، ص: 4 والسبب فی ذلک أنّها لا تندرج فی الحقیقۀ لا فی مسائل اصول الفقه، ولا فی مسائل الفقه نفسه، إذ لیس لها فی مسائل
هذین العلمین مجال إلّاتبعاً لبعض مسائلهما، أو ما یکون بحثاً استطرادیّاً غیر جامع، ولا مستوعب لجمیع ما یُراد منها. وما یبدو من بحث
ما لا یُضمن بصحیحه لا یُضمن » أو قاعدة ،« لا ضرر » بعضها مؤخراً فی بعض الکتب الأُصولیّۀ أو الفقهیّۀ بأنّه شامل ومستوفٍ مثل قاعدة
وقواعد طفیفۀ أخري لا یوجب أداء حقّها جمیعاً مع ما فیها أیضاً من نقائص ظاهرة. وکم من مسألۀ اشتبه حکمها علی بعض ،« بفاسده
الأکابر من جرّاء عدم تنقیح هذه القواعد، وسیمرّ علیک کثیر منها بین طیّات هذا الکتاب. إذن، فالواجب علینا الاهتمام بشأنها، وأداء
حقّها، وتدوین علم مستقل لها، وإن أهملها المتقدّمون (رضوان اللَّه تعالی علیهم) وکم ترك الأولون للآخرین.
2 تعریف القواعد الفقهیّۀ
القاعدة الفقهیّۀ، علی ما یُستفاد من استقراء کلمات الأصحاب (قدّس اللَّه أسرارهم) هی ما اشتملت علی حکم فقهی عام لا یختصّ
کتاب » أو مسائل کثیرة من ،« کتب فقهیّۀ متعدّدة » بباب معیّن من الفقه، بل یشمل أبواب الفقه کلّها، أو کثیراً من مسائلها المبحوثۀ فی
صفحۀ 15 من 146
فی الموضوعات، فإنّها تعمّ جمیع أبواب الفقه لعموم موضوعها، فهی تجري فی « خبر الواحد » أو ،« حجیّۀ البیّنۀ » فالأوّل: کقاعدة .« واحد
جمیع أبواب العبادات والمعاملات. فلیست الحجیّۀ هنا لیست کالحجیّۀ فی الأدلّۀ الأربعۀ ممّا تقع فی طریق الاستنباط، بل الحجیّۀ
بنفسها حکم فقهی، لأنّها تتعلق بموضوع کذلک، فإذا أخبرتِ البیّنۀ عن طهارة شیء، أو رؤیۀ الهلال، أو غیر ذلک، فانّ معنی ذلک
جواز استعمالها فی الصلاة، أو وجوب الصوم، أو الافطار، إذ هی مشتملۀ علی حکم عامّ متعلّق بإثبات الموضوعات فی جمیع کتب
فإنّها تجري فی أبواب ،« ضمان الید » فی المعاملات، أو قاعدة « أصالۀ اللّزوم » الفقه. ص: 5 والثانی: مثل قاعدة
الجاریۀ فی ،« البیّنۀ علی المدّعی والیمین علی من أنکر » أو قاعدة ،« الطهارة » أو قاعدة ،« لا تُعاد » المعاملات فقط. والثالث: کقاعدة
أبواب الصلاة، أو الطهارة، أو القضاء، لکنّها مع ذلک لا تختص ببابٍ خاصّ من هذه الکتب الثلاثۀ. فحینئذٍ تختلف القاعدة الفقهیّۀ
عن المسائل الاصولیّۀ بأنّ الثانیۀ لا تشتمل علی حکم شرعی فرعی تکلیفی أو وضعی، بل تقع فی طریق استنباط الأحکام بینما تشتمل
علی المشهور. کما أنّها تختلف عن المسائل الفقهیّۀ « لا ضرر » و « لا حرج » القواعد الفقهیّۀ علی أحکام کلیّۀ عامّۀ إثباتاً، أو نفیاً کما فی
فی اشتمالها علی أحکام جزئیۀ کطهارة ماء البئر، ونجاسۀ الدم، وجواز عقد المعاطاة، وحرمۀ الخمر، وغیرها من الامور المشابهۀ.
ولأجل هذه الخصوصیۀ لا یمکن إعطاء نتیجۀ القواعد الفقهیّۀ بأیدي المقلّدین، فإنّها تنفع الفقیه وحسب، بینما تقع المسائل الفقهیّۀ فی
معرض فائدة العموم. وبالجملۀ فإنّ القواعد الفقهیّۀ تشتمل علی أمرین: 1- إثبات حکم شرعی فرعی تکلیفی، أو وضعی عامّ، أو نفیه.
-2 اطّرادها فی جمیع أبواب الفقه، أو أبواب متعددة من کتب فقهیّۀ مختلفۀ، أو کتاب واحد مثل القضاء، أو الصلاة أو غیرهما. ومن
هنا یظهر الوجه فیما ذکرنا من کونها ممتازة عن المسائل الأصولیّۀ والفقهیّۀ، وأنّها موضوع علم مستقل.
3 عدم تدوین کتاب خاص بهذا الموضوع
وغیرهما .. ولکن من ،« قواعد الشهید رحمه الله » للعلّامۀ رحمه الله، و « القواعد » مثل « القواعد » هناك کتب کثیرة قیّمۀ مسمّاة باسم
الواضح أنّ شیئاً منها لا یبحث عن القواعد بالمعنی ص: 6 الذي ذکرناه آنفاً، کما یظهر ذلک لمن راجعها فی
ولکنّها لا تبحث عن هذه القواعد، بل تبحث ،« القواعد » باديء النظر، بل هی کتب فقهیّۀ جیّدة کسائر الکتب المتداولۀ، سُمّیت باسم
للمحقّق البارع السید « العناوین » للنراقی رحمه الله، و « العوائد » عن مسائل الفقه الجزئیۀ. نعم، هناك بعض المؤلّفات لأصحابنا مثل
عبدالفتاح المراغی، وهو من تلامیذ الشیخ علی بن الشیخ جعفر کاشف الغطاء رحمه الله تبحث عن مجموعۀ من القواعد الفقهیّۀ،
ولکنّها أیضاً غیر متخصصۀ فی هذا الموضوع. ولذا فلا عجب إن قلنا بأنّ أول کتاب مؤلَّف لسرد قواعد الفقه بمعناها المصطلح هو
کتابنا هذا، وقد نشر لأول مرّة فی سنۀ 1382 هجریۀ قمریۀ، ثم نشر کتاب آخر یحمل نفس هذا الاسم من قبل بعض أعیان المعاصرین
شکر اللَّه سعیه وجزاه عن الإسلام خیر الجزاء، وإن کان هناك تفاوت کبیر بین أبحاثه وبین الأبحاث المذکورة فی کتابنا هذا، فقد
بحث عن أمور کان الأولی له ترکها، وترك بعض ما کان علیه من الواجب ذکره. وعلی کلّ حال فإنّ هذا العلم ممّا ینبغی أن یکون
محطّاً لأنظار العلماء، ومضماراً لأهل التحقیق، حتی یخرج عن هذه الغربۀ المؤسفۀ، ویتسع نطاقه، وتتضح جمیع جوانبه ونواحیه.
4 محتوي الکتاب
کتابنا هذا یشمل ثلاثین قاعدة فقهیّۀ هی أهم القواعد إلی یُحتاج إلیها فی الأبحاث الفقهیّۀ، ولا أقول أنّ جمیع القواعد الفقهیّۀ تنحصر
وقاعدة ،« لا ضرر » وهی: قاعدة ،« المجلد الأول » فیها، بل أقول بأنّ هذه القواعد هی أهمّها وأوسعها وأشملها. وقد ذکرنا تسعاً منها فی
دلالۀ الید علی الملک)، وقاعدة ) « الید » ص: 7 وقاعدة ،« التجاوز والفراغ » وقاعدة ،« لا حرج » وقاعدة ،« الصحۀ »
و سوف نذکر واحداً وعشرین من هذه القواعد .« المیسور » وقاعدة ،« لا تعاد » وموارد حرمتها ووجوبها، وقاعدة « التقیّۀ » وقاعدة ،« القرعۀ »
وهو هذا المجلّد)، وهی: 10 - قاعدة التسلّط (الناس مسلّطون علی أموالهم). 11 - قاعدة حجیۀ البینۀ. 12 - قاعدة ) « الجزء الثانی » فی
صفحۀ 16 من 146
حجیۀ خبر الواحد فی الموضوعات. 13 - قاعدة حجیۀ قول ذي الید. 14 - قاعدة الحیازة (من حاز ملک). 15 - قاعدة السّبق (من سبق
إلی ما لم یسبق إلیه أحد فهو أحق به). 16 - قاعدة الإلزام (إلزام المخالفین بما ألزموا به أنفسهم). 17 - قاعدة الجبّ (الإسلام یجب ما
قبله). 18 - قاعدة الإتلاف (من أتلف مال الغیر فهو له ضامن). 19 - قاعدة ما یضمن و ما لایضمن (ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسد و
بالعکس). 20 - قاعدة الید (علی الید ما أخذت حتی تؤدّي). 21 - قاعدة عدم ضمان الأمین. 22 - قاعدة الغرور (المغرور یرجع إلی من
غرّه). 23 - قاعدة الخراج (بالضمان). 24 - قاعدة اللزوم (کل معاملۀ لازمۀ إلاما خرج بالدلیل). 25 - قاعدة البیّنۀ والیمین (ثبوت البینۀ
علی المدّعی و الیمین علی من أنکر). 26 - قاعدة التلف المبیع قبل قبضه (کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بایعه). 27 - قاعدة
-29 تبعیۀ العقود للقصود. 28 - قاعدة التلف فی زمن الخیار (التلف فی زمن الخیار ممّن لاخیار له). ص: 8
قاعدة الاقرار (من ملک شیئاً ملک الإقرار به). 30 - قاعدة الطهارة. وبها تتمّ ثلاثون قاعدة. وختاماً نحمد اللَّه تعالی علی توفیقه الذي لا
یتمّ أمر إلّابه، ونسأله أن یجعله ذُخراً لیوم المعاد بمنّه وکرمه، یوم لا ینفع مال ولا بنون إلّامن أتی اللَّه بقلب سلیم. کما أنّ من الواجب
علیَّ أن أشکر عدّةً من الأفاضل الذین وازرونی فی هذا الأمر، وبذلوا جهدهم فی مراجعۀ إلی المصادر الفقهیّۀ والأحادیث وغیرهما،
وجمع اصول هذه القواعد، فانّها متفرقۀ غایۀ التفرق فی کتب الفقه والحدیث وغیرهما. وهم الفضلاء الکرام: * السید أبو محمد
المرتضوي. * والسید مهدي شمس الدین. * والسید علی الموسوي. * والشیخ محمد علی الحیدري. * والشیخ رضا بلاغت شکر اللَّه
رَبَّنَا » .« رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِاخْوَانِنا الَّذِینَ سَبَقُونَا بِالإِیمَانِ » .« رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّکَ أَنْتَ السَّمِیعُ العَلِیمُ » . سعیهم، وجزاهم عن الإسلام خیر الجزاء
والحمد للّه) قم- الحوزه العلمیۀ ناصر مکارم الشیرازي ص: 9 ) .« آتِنَا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَۀً وَهیء لَنا مِنْ أَمرِنَا رَشَداً
10 قاعدة التسلّط
اشارة
من القواعد المشهورة بین الفقهاء قاعدة تسلّط الناس علی أموالهم، ولا یزالون یستدلون بها فی مختلف أبواب المعاملات بالمعنی
یتمّ « ما یُستثنی منها » و « ما یتفرع علیها » و « مصادرها » محتواها و » الخاص، والعام، بل لعلّها هی المصدر الوحید فی بعض مسائلها. وبیان
فی مقامات:
المقام الأول: فی مصدر القاعدة
اشارة
یمکن الاستدلال علیها بالأدلّۀ الأربعۀ:
-1 کتاب اللَّه
أمّا من کتاب اللَّه العزیز فبآیات مختلفۀ، وردت فی موارد خاصّۀ، یستفاد من مجموعها أنّ کلّ إنسان له سلطۀ علی أمواله الخاصّۀ، لا
یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَاتَأْکُلُوا » : یجوز لأحد مزاحمته إلّامن خلال طرق معیّنۀ وردت فی الشرع، فممّا یدلّ علی هذا المعنی قوله تعالی
ص: .«1» « أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْکُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَکُمْ إِنَّ اللَّهَ کَانَ بِکُمْ رَحِیماً
12 دلّ هذا علی عدم جواز أکل أموال الناس إلّامن خلال طرق خاصّ ۀ مشروعۀ، تنبنی علی رضا الطرفین، وجعل حرمته کحرمۀ قتل
وَآتُوا الْیَتَامَی أَمْوَالَهُمْ » : ومثله قوله تعالی .«1» « حرمۀ مال المسلم کحرمۀ دمه » : الأنفس، وکأنّ هذا القول یتوافق مع الحدیث المعروف
صفحۀ 17 من 146
وهو دلیل علی أنّ الإنسان لو لم یکن قادراً علی .«2» « وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِیثَ بِالطَّیِّبِ وَلَا تَأْکُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَی أَمْوَالِکُمْ إِنَّهُ کَانَ حُوباً کَبِیراً
حفظ أمواله فلابدّ أن تُحفظ من طریق من یقدر علی ذلک، وأنّ الولی یجب علیه کمال الإحتیاط فیه، وإلّا ارتکب إثماً عظیماً. ومن
الجدیر بالذکر أنّ التعبیر بأموالکم وأموالهم دلیل واضح علی الملکیّۀ الخاصّۀ فی هذه الأموال لا ملکیّۀ المجتمع، کما قد یتوهمه من لا
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَۀً فَإِنْ طِبْنَ لَکُمْ عَنْ شَیْءٍ مِنْهُ نَفْساً » : خبرة له بشیء من الآثار الإسلامیۀ والمتون الدینیّۀ. وأیضاً قوله تعالی
دلّت علی أنّه لا یجوز التصرّف فی شیء من أموالهم الحاصلۀ من طریق الصداق، إلّا باذنهنّ ورضاهنّ، وأیضاً .«3» « فَکُلُوهُ هَنِیئاً مَرِیئاً
إلی غیر .«4» « وَلَا تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَی الْحُکَّامِ لِتَأْکُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » : قوله تعالی
ذلک من الآیات الکثیرة الواردة فی أبواب الإرث، والصداق، والوصیۀ، وسائر العقود، وما دلّ علی مطلوبیّۀ الإنفاق فی سبیل اللَّه، حتی
ص: 13 وبالجملۀ، لا یبقی شکّ لأحد بعد .«5» «... وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِکُمْ » ما دلّ علی حرمۀ الربا وأنّه
ملاحظۀ هذه الآیات أنّ کلّ إنسان مسلّط علی أمواله التی اکتسبها من طرق مشروعۀ، وأنّه لا یجوز مزاحمته فیها، ولا التصرّف إلّا بإذنه
ورضاه، ولو جمعنا هذه الآیات مع تفسیرها کان کتاباً ضخماً.
-2 السنّۀ
وأمّا من السنّۀ فهی روایات کثیرة عامّۀ وخاصّۀ: 1- الروایۀ المعروفۀ المشهورة علی ألسنۀ الفقهاء، المرسلۀ عن النبی صلی الله علیه و
،«1» « عوالی اللئالی » عن « البحار » رواها العلّامۀ المجلسی رحمه الله فی المجلّد الثانی من .« إن الناس مسلّطون علی أموالهم » : آله أنّه قال
وهی وإن کانت مرسلۀ لکنّها مجبورة بعمل الأصحاب قدیماً وحدیثاً، واستنادهم إلیها فی مختلف أبواب الفقه، وسیأتی الإشارة إلی
إنّ حدیث نفی الضرر المستفیض معارض بمثله من » : مسألۀ تضرّر الجارّ بتصرف المالک فی ملکه « الریاض فی » بعضها. قال فی
وهناك روایات اخر لا تشتمل .«2» « الحدیث الدالّ علی ثبوت السلطنۀ علی الإطلاق لرّب الأموال، وهو أیضاً معمول به بین الفریقین
الرجل یکون له الولد أیسعه » : علی هذا العنوان، ولکنّها تحتوي معناها ومغزاها. 2- ما رواها سماعۀ قال: قلت لأبی عبداللَّه علیه السلام
-3 روایۀ أخري عن سماعۀ عن أبی بصیر عن أبی .«3» « أن یجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله یصنع به ما شاء إلی أنّ یأتیه الموت
إنّ لصاحب المال أن یعمل بماله ما شاء، ما دام حیاً، إن شاء وهبه، وإن شاء تصدّق به، » : عبداللَّه علیه السلام مثل الروایۀ السابقۀ، وزاد
ص: 14 ومن الواضح أنّ ذکر الهبۀ والصدقۀ من باب المثال، لما وقع .«4» « وإن شاء ترکه إلی أنّ یأتیه الموت
التصریح فیها بأنّ له أن یصنع بما له ما شاء، ولیست السلطۀ علی المال غیر هذا. 4- مرسلۀ إبراهیم بن أبی سماك عن أبی عبداللَّه علیه
-5 وبمعناه روایۀ أخري عن عمّار بن موسی أنّه سمع أبا عبداللَّه علیه السلام .«1» « المیّت أولی بماله ما دامت فیه الروح » : السلام قال
-6 وروي عثمان بن سعید عن أبی المحامد عن أبی .«2» « صاحب المال أحقّ بماله ما دام فیه شیء من الرّوح یضعه حیث شاء » : یقول
وهناك روایات أخري واردة فی نفس هذا الباب، ومن .«3» « الإنسان أحقّ بماله ما دامت الروح فی بدنه » : عبداللَّه علیه السلام قال
یشمل أنواع التصرفات الناقلۀ وغیر الناقلۀ. وتقیید روایات الوصیۀ بالثلث کتخصیص هذه « أحقّ » و « أولی » الواضح أنّ اطلاق قوله
الاطلاقات بغیر مرض الموت، بناءً علی کون منجزات المریض من الثلث لا من الأصل، لا یضرّ بالمقصود، فانّ إطلاق السلطنۀ علی
المال کسائر الإطلاقات یقبل التقیید مهما ورد دلیل علیه. أمّا الروایات الخاصّ ۀ فهی کثیرة جدّاً لا یمکن استقصاء جمیعها، بل ولا
نحتاج إلی الاستقصاء بعد ما عرفت.
-3 الإجماع
وأمّا الإجماع فهو ظاهر کلمات القوم، حیث أرسلوها إرسال المسلّمات، واستدلوا بقاعدة التسلّط فی أبواب مختلفۀ نشیر إلی جملۀ
صفحۀ 18 من 146
دلیلنا أنّ » فی مسألۀ 290 فی بحث إقراض الجواري: ص: 15 « البیوع » فی کتاب « الخلاف » منها: 1- قال فی
لا» : وقال ،« النّاس مسلّطون علی أموالهم » : الأصل الإباحۀ، والحظر یحتاج إلی دلیل ... وأیضاً روي عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال
ومنه یظهر أنّ حدیث عدم جواز التصرّف فی مال کلّ إنسان إلّابطیب نفسه یتّحد معنا .«1» « یحلّ مال أمريء مسلم إلّابطیب نفسٍ منه
وان أراد الإنسان أن یحفر بئراً فی داره أو ملکه وأراد جاره أن یحفر » : فی باب حریم البئر « السرائر » مع حدیث التسلّط. 2- قال فی
لنفسه بئراً بقرب تلک البئر لم یمنع منه بلا خلاف فی جمیع ذلک وإن کان ینقص بذلک ماء البئر الأولی لأنّ الناس مسلّطون علی
ما نصّه: « ویجبر علی البیع لا التسعیر » : فی أبواب الاحتکار فی شرح قول العلّامۀ رحمه الله « جامع المقاصد » وقال فی .«2» « أملاکهم
أیضاً: « جامع المقاصد » وقال فی .«3» « هذا أصح لأنّ الناس مسلّطون علی أموالهم، إلّاأنّ یجحف فی طلب الثمن أو یمتنع من تعیینه »
یجوز التفریق بعد سنتین فی الذکر، وبعد سبع فی الانثی (فی الحرّة) علی » : فی جواز التفریق بین الطفل وأُمه فی المملوکۀ ما نصّه
وقال هو أیضاً .«4» « المشهور بین المتأخرین، فلیجز ذلک فی الأمۀ لأنّ حقّه لا یزید علی حقّ الحرّة، ولأنّ النّاس مسلّطون علی أموالهم
إنّه لیس له ذلک علی إشکال، ثمّ ذکر أنّ » : فی مسألۀ وطیء الأمۀ من جانب المشتري، فی مدّة الخیار المشترك أو المختص بالبایع
وقال فی .« أنّه ربّما أفضی إلی الاستیلاد الموجب لسقوط خیار البائع » ومن ،« النّاس مسلّطون علی أموالهم » منشأ الإشکال من عموم
إجماعاً وأخباراً متواترة » : فی أبواب الإحتکار بعد نقل کلام القواعد فی نفی ص: 16 التسعیر ،« مفتاح الکرامۀ »
أیضاً « جامع المقاصد » وقال فی . «« وعندنا کما فی التذکرة، للأصل وعموم السلطنۀ ،« المبسوط » وبلا خلاف کما فی ،« السرائر » کما فی
« إنّه لمّا کان النّاس مسلّطین علی أموالهم کان للإنسان الإنتفاع بملکه کیف شاء » : فی شرح مسألۀ تأجیج النّار وإرسال الماء فی ملکه
وهذا صاحب الجواهر الفقیه المتضلّع استدل بهذه القاعدة، وأرسله إرسال المسلّمات فی أبواب البیع، والرهن، والصّلح، والشرکۀ، .«2»
والمزارعۀ، والمساقاة، والودیعۀ، والعاریۀ، وکتاب السبق، والوصایا، والغصب، والأطعمۀ والأشربۀ، وإحیاء الموات، إلی غیر ذلک ممّا
لو نقلناه بأجمعه لطال بنا البحث، ولکن نذکر شطراً من ذلک: 1- قال فی کتاب البیع فی جواز الولایۀ من قبل الجائر إذا کان مکرها ما
-2 وقال فی مبحث الإحتکار: .«3» « لا بأس بجواز تحمّل الضرر المالی فی دفع الإکراه، ولعموم تسلیط النّاس علی أموالهم » : نصّه
الاحتکار مکروه، وقیل: حرام، والأول أشبه بأصول المذهب وقواعده التی منها الأصول، وقاعدة تسلّط النّاس علی » : المسألۀ الثانیۀ »
وکلامه شاهد علی أنّ القاعدة من القواعد المسلّمۀ فی مذهبنا. 3- وقال فی حکم التفرقۀ بین الأطفال وامهاتهم قبل .«4» « أموالهم
جمعاً بین ما دلّ علی الجواز من الأصل » : ما نصّه « أَنّها محرّمۀ وقیل مکروهۀ وهو الأظهر » « الشرایع » استغنائهم منهنّ بعد نقل کلام
لو غصبه ثم رهنه صحّ، » :« الرّهن » فی کتاب « الشرایع » ص: 17 وقال فی .«5» « وعموم تسلّط النّاس علی أموالهم
ودعوي عدم صحّۀ إسقاط مثل ذلک یدفعها عموم تسلّط النّاس » :« الجواهر » وزاد فی « ولم یزل الضمان ... ولو أسقط عنه الضمان صحّ
وإضافۀ الحقوق فی کلامه هنا من باب إلغاء الخصوصیّۀ عن الأموال، وإلّا فالظاهر أنّه لم یرد هذا العنوان .«1» « علی حقوقهم وأموالهم
فی مسألۀ صلح الشریکین عند إرادة الفسخ علی أن یأخذ أحدهما رأس ماله والآخر « الصّلح » فی النّصوص. واستدلّ به أیضاً فی أبواب
واستدلّ به أیضاً فی جواز الإعتماد علی القرعۀ فی .«2» « الباقی، ربح أوتوي، جاز ... ولعلّ عموم تسلّط النّاس علی أموالهم یقتضیه
إنّما الکلام فی اعتبارها فی القسمۀ کما عن ظاهر کثیر أو الجمیع، نعم، عن الأردبیلی رحمه الله » : وقال « الشرکۀ » القسمۀ فی کتاب
فی » : حیث قال « المساقاة » و « المزارعۀ » واعتمد علیه فی أبواب .«3» « الإکتفاء بالرضاء من الشرکاء ... لعموم تسلّط النّاس علی أموالهم
المسألۀ الرابعۀ فی جواز شرکۀ غیر المزارع (بالفتح) معه وعدم توقّفه علی إذن المالک بعد التمسّک بعدم الخلاف بانتقال المنفعۀ إلیه
إذا « الوصیۀ » واستدلّ به أیضاً فی کتاب .«5» أیضاً « السبق » واستند إلیه فی کتاب .«4» « بعقد المزارعۀ، والناس مسلّطون علی أموالهم
ولو أرسل فی ملکه ماء فأغرق مال غیره أو أججّ ناراً فیه فأحرق لم » :« الشرایع » بعد قول « الغصب » وقال فی کتاب .«6» أوصی بالثلث
« بلا خلاف أجده فیه ... للأصل بعد عدم التفریط، وعموم تسلّط النّاس علی أموالهم » : قال ،« یضمن، ما لم یتجاوز قدر حاجته اختیاراً
ص: 18 واستدلاله هنا بقاعدة التسلّط دلیل علی عمومها عنده، حتی إذا أوجب ال ّ ض رر علی غیره، ما لم .«7»
صفحۀ 19 من 146
فی مسألۀ الاضطرار إلی أکل المیتۀ وإن کان هناك من له مال « الأطعمۀ والأشربۀ » یتجاوز عن حدّه، وعن قدر حاجته. وقال فی کتاب
نعم یتّجه ذلک (جواز أکل المیتۀ) إذا لم یبذل، لعموم النّاس مسلّطون علی أموالهم، من غیر فرق بین » : حلال ولکن لا یبذله ما لفظه
وهذا دلیل علی أنّ عموم السلطۀ علی المال یشمل حتی فرض الإضطرار من بعض الجهات، وهو دلیل علی .«1» « کونه قویّاً أو ضعیفاً
أیضاً: فیما إذا تصرّف « إحیاء الموات » وقال فی ذلک الکتاب .«2» أیضاً « احیاء الموات » قوّة العموم فیها عندهم. واستدلّ به فی کتاب
الإنسان فی داره بما یوجب تضرّر الجار تضرّراً فاحشاً بعد الحکم بمنعه استناداً إلی حدیث نفی الضّر والضرار المعمول به بین الخاصّۀ
وقد یناقش بأنّ حدیث نفی الضرر المستفیض معارض بمثله من الحدیث الدال علی ثبوت السلطنۀ » : والعامّۀ المستفیض بینهم ما نصّه
علی الاطلاق لربّ المال، وهو أیضاً معمول به بین الفریقین، والتعارض بینهما تعارض العموم من وجه، والترجیح للثانی بعمل
أقول: کلامه هنا دلیل واضح علی أنّ هذا الحدیث المرسل بلغ من ناحیۀ عمل الأصحاب إلی درجۀٍ من القوّة بحیث .«3» « الأصحاب
المستفیض المروي من طرق الفریقین بأسانید شتی. وهذا شیخنا الأعظم العلّامۀ الأنصاري رحمه الله استدلّ به « حدیث لا ضرر » یعارض
، فی کثیر من المسائل الفقهیّۀ فی مکاسبه وأرسله إرسال المسلّمات بحیث لا یشوبه شائبۀ، وإلیک نماذج منها: القواعد الفقهیۀ، ج 2
1- قال فی بحث قبول الولایۀ من قبل الجائر مع وجود ال ّ ض رر المالی فی ترکه ممّا لا یضرّ بالحال أنّ ترکه رخصۀ لا عزیمۀ: ص: 19
-2 وقال فی مبحث المعاطاة ردّاً لمن استدلّ بقاعدة النّاس مسلّطون علی .«1» « فیجوز تحمّل ال ّ ض رر لأنّ النّاس مسلّطون علی أموالهم »
أمّا قوله النّاس مسلّطون علی أموالهم فلا دلالۀ فیه علی المدّعی لأنّ عمومه باعتبار أنواع » : أموالهم علی أنّ المعاطاة توجب الملک
وظاهر کلامه هذا .«2» « السلطنۀ، فهو إنّما یجدي فیما إذا شکّ فی أنّ هذا النوع من السلطنۀ ثابتۀ للمالک وماضیۀ شرعاً فی حقّه أم لا
مفروغیۀ القاعدة بین الجمیع، علی نحوٍ لا یتطرّق إلیه إشکال، ولو کان هناك إیراد، فإنّما هو فی تطبیقها علی بعض الموارد التی
علی اللزوم مضافاً إلی ما ذکر عموم « ویدلّ » : إنّ الاستدلال علی أصالۀ اللزوم فی کلّ عقد شکّ فی لزومه » : یُشکّ فیها. 3- وقال
-4 وقال فی رسالته فی قاعدة نفی الضرر المطبوعۀ فی ملحقات مکاسبه، وینبغی التنبیه علی .«3» « قولهم: الناس مسلّطون علی أموالهم
أمور: الأول أنّ دلیل هذه القاعدة حاکم علی عموم أدلّۀ إثبات الأحکام الشامل لصورة التضرر بموافقتها- إلی أن قال: خلافاً لما
یظهرمن بعض من عدّهما من المتعارضین حیث إنّه ذکر فی مسألۀ تصرّف الإنسان فی ملکه مع تضرر جاره أنّ عموم نفی الضرر
معارض بعموم: النّاس مسلّطون علی أموالهم. ثمّ أورد علیه بحکومۀ قاعدة نفی الضرر علی قاعدة التسلّط، واستدلّ علی الحکومۀ
بجریان سیرة الفقهاء فی مقامات مختلفۀ علیه منها استدلالهم علی ثبوت خیار الغبن وبعض الخیارات الأخر بقاعدة نفی الضرر مع
ص: 20 ویظهر من کلامه هذا تسالم القوم علی هذه القاعدة فی .«4» « وجود عموم، الناس مسلّطون علی أموالهم
و « ضمان المثلی والقیمی » محله، وإن قدّموا قاعدة نفی الضرر علیها لحکومتها. 5- واستدلّ أیضاً بها فی طیّات مکاسبه فی أبواب
وغیرها ممّا یطول المقام بذکرها جمیعاً. فتحصّل من جمیع ما ذکرنا أنّه لا ینبغی التأمّل ،« أحکام الخیار » و « مسقطات خیار المجلس »
فی کون القاعدة مجمعاً علیها بین فقهاء الفریقین، لإستنادهم إلیها فی کثیر من المباحث المتخلّفۀ، إرسالًا له إرسال المسلّمات من غیر
ردّ ولا إنکار، وما أوردناه هنا من أقوالهم شطر من کلماتهم المشتملۀ علی الحدیث بعنوانه، وإلّا فما ذکروه بغیر هذا العنوان ممّا یعطی
معناه أکثر وأظهر.
-4 دلیل العقل وبناء العقلاء
اشارة
هذه القاعدة قاعدة عقلائیۀ قبل أن تکون شرعیّۀ، ولم یزل بناء العقلاء علیها من قدیم الزمان إلی عصرنا هذا، ولا فرق فیها بین أرباب
صفحۀ 20 من 146
الملل الإلهیۀ وغیرهم، حتّی أنّ من أنکرها بلفظه لا ینکرها فی عمله، وأنّ الذین ادّعوا إلغاءَها بالمرّة فی کتبهم وفی مدارسهم لم
یوفّقوا لتطبیق هذا الإلغاء فی مقام العمل والتطبیق، وکلّهم یرون أنّ للإنسان التصرّف فی ملکه بما یراه، إلّاما منعه الشرع أو نهت عنه
القوانین المعتبرة عندهم، ولا یشک فی هذا أحد منهم، ومن أنکره فإنّما ینکره باللسان، وأمّا قلبه فمطمئن بالإیمان. بل یمکن أن یقال:
إنّها من القواعد الفطریۀ قبل أن تکون عقلائیّۀ، فإنّ لما عند العقلاء من القوانین اصولًا وجذوراً فی أعمّاق فطرتهم، ما لم ینحرفوا عنها
ص: 21 ولابدّ أن ،« التکوین » « التشریع » بأمور قسریّۀ. کما أنّ أحکام الشرع أیضاً تنطبق علی الفطریّات، فیطابق
یتطابقا، لأنّ کلّ واحد منهما من صنع اللَّه، ولا یضارّ صنعه صنعه، وما تري فی خلق الرحمن من تفاوت. وإن ئت اختبار حال مَن لم
تشب فطرته بایّۀ شائبۀ، أو تقالید اجتماعیۀ، من الصبیان غیر العارفین بما عند آبائهم وأمهاتهم من الأحکام والقوانین، فانّ کلّاً منهم إذا
ظفر بشیء، ورآه ماله، احتفظ به، وردّ کلّ من یزاحمه فی ما کسبه، ویري لنفسه التسلّط علیه بجمیع أنواع التسلّط، إلّاأن یمنعه مانع من
فطرته أو من الخارج. بل قد یقال: إنّ هذه الفطرة والسلیقۀ النفسیّۀ لا تنحصر بالإنسان، بل تشترك فیها أنواع الحیوانات، فهی تعتبر
المالکیۀ لأنفسها فیما کسبت، وتسیطر علیها، ولا تري لغیرها حقّاً فی المزاحمۀ، فهی تدافع عن وکرها، وعشّها، وطعمتها، وغیرها ممّا
یتعلق بها، کما یدافع الإنسان عن أمواله، بل قد یکون عندها ما یشبه الملکیّۀ التعاونیۀ عندنا، کما فی النمل والنحل وغیرهما من
أشباههما، فهی تدافع جمیعاً عمّا یتعلّق بشرکائها ضدّ الأجانب، وتري لنفسها السلطۀ علی ما حوزتها. فاذن، یکون حکم الشرع فی هذه
القاعدة من قبل إمضاء ما عند العقلاء، لا تأسیس قاعدة حدیثۀ جدیدة، ممّا لیس عندهم، کما هو کذلک فی أکثرما عند الشرع فی
أبواب المعاملات أو فی جمیعها، وإذا ورد فیها شرائط خاصّ ۀ، وقیود مختلفۀ لهذا الإمضاء، فإنّما هو دفع لهم عن مفاسد کثیرة لا
یعلمونها، ولا تهتدي إلیها عقولهم، أو أنّهم لا یعلمونه ولا یعتنون به اتّباعاً لأهوائهم، وغفلۀ عمّا فیه صلاحهم وفسادهم. فاذن لا یبقی
شکّ فی عموم هذه القاعدة لجمیع الأموال، وجمیع الناس، وإن کان هذا العموم مشروطاً بشرائط وقیود کثیرة واستثناءات مختلفۀ، ولا
ینافی ذلک وجود المالکیّۀ العامّۀ فی الشرع بالنسبۀ إلی أموال اخر. ولا بأس بالإشارة هنا إلی نُبذ ممّا یدلّ علی مالکیّۀ کلّ إنسان لما
کسبه من طرق مشروعۀ، ونفوذ تصرفاته فیه، وعدم جواز مزاحمته بغیر إذنه، التی تدل بالدلالۀ الالتزمیّۀ البیّنۀ علی ثبوت قاعدة التسلّط
وسریانها. وممّا یجب ذکره ابتداءاً أنّه قلّما یوجد فی لسان أدلۀ الشرع تعرّض صریح لأصل ص: 22 هذا
الموضوع- أي جواز المالکیّۀ الفردیّۀ- بل ذکر فیها أحکامها بعد الفراغ عن ثبوتها، ولولا وسوسۀ بعض مَن لا خبرة له بأحکام الشرع
والعقل، ممن خدعتهم الأفکار المادیۀ الإلحادیّۀ لکنّا فی غنیً عن مثل هذه الأمور، ممّا هو من الوضوح بمکانٍ لا یرتاب فیه ذوفضل.
وأمّا الروایات الدالّۀ علی هذا المعنی فهی أکثر من أن تُحصی، وسنشیر إلی بعض ما هو أوضح وأظهر: 1- ورد عن رسول اللَّه صلی
بلغ احترام أموال المسلمین .«2» « وأنّه لا یحلّ مال أمرءٍ مسلم إلّابطیب نفسه » -2 .«1» « إنّ حرمۀ مال المسلم کحرمۀ دمه » : الله علیه و آله
إلی حدّ یعادل دماءهم، ومن الواضح أنّه لا یعادلّ فی الشریعۀ الإسلامیۀ دمَ المسلم شیء، إلّاما یکون مهمّاً جدّاً. 3- وقال الصادق علیه
-4 وفی غیر واحد من الروایات أنّ الدفاع لحفظ .«3» « من أکل مال أخیه ظلماً، ولم یردّه إلیه، أکلّ جذوة من النّار یوم القیامۀ » : السلام
الأموال جائز، وإن بلغ ما بلغ، وأنّه یجوز دفع المهاجم، وأنّ دمه هدر، وأنّ من قُتل دون ماله فهو شهید. قال رسول اللَّه صلی الله علیه و
.«5» «... من قتل دون ماله فهو بمنزلۀ الشهید » : وعنه صلی الله علیه و آله فی حدیث آخر .«4» « من قاتل دون ماله فقتل فهو شهید » : آله
«! اقتله، فأُشهد اللَّهَ ومن سمع أنّ دمه فی عنقی » : وقال الباقر علیه السلام لمن سأله بأنّ اللّص یدخل علی بیتی یرید علی نفسی ومالی
إذا دخل علیک اللّص المحارب فاقتله، فما أصابک فدمه فی » : ص: 23 وقال أمیر المؤمنین علیه السلام .«6»
-5 وهناك روایات کثیرة دالّۀ علی کون الید دلیلًا لملکیّۀ الإنسان علی ما فی یده، بل یجوز الشهادة علی الملکیّۀ بمجرّد .«1» « عنقی
إذا رأیت شیئاً فی » : کون شیء فی ید إنسان. فقد ورد عن الصادق علیه السلام فیما رواه حفص بن غیاث عنه أنّه قال: قال له رجل
یدي رجل یجوز لی أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم، قال الرجل: أشهد أنّه فی یده، ولا أشهد أنّه له، فلعلّه لغیره، فقال أبو عبداللَّه علیه
السلام: أفیحلّ الشراء منه؟ قال: نعم، فقال أبو عبداللَّه علیه السلام: فلعلّه لغیره، فمن أین جاز لک أن تشتریه ویصیر ملکاً لک، ثم تقول
صفحۀ 21 من 146
لو لم یجز » : بعد الملک هو لی، وتحلف علیه، ولا یجوز أن تنسبه إلی من صار ملکه من قبله إلیک؟ ثم قال أبو عبداللَّه علیه السلام
هذا قلیل من کثیر ممّا ورد فی هذا الباب، وما یدلّ علیه بالإلتزام أکثر وأوفر، وقد ضمّت أبواب .«2» « هذا لم یقم للمسلمین سوق
التجارات، والأوقاف، والهبات، والمهور، والنّفقات، والارث، والضمانات، والدیات، والقضاء، والاجارات، وغیرها .. ما لا یُحصی فی
هذا المعنی.
أنحاء الملکیّۀ فی الإسلام
وممّا ینبغی أن یذکر أنّه لا تنحصر الملکیّۀ فی التشریع الإسلامی بالملکیّۀ الفردیّۀ، بل المعروف أنّها علی أنحاء ثلاثۀ: 1- الملکیّۀ
الفردیۀ. 2- الملکیّۀ للمسلمین جمیعاً. 3- ملک الحکومۀ الإسلامیّۀ. ولکن فی الواقع لها فروع أخر تنقسم هذه الأقسام إلیها ربما تبلغ
ستۀ أنحاء. ص: 24 فإنّ الملکیّۀ الشخصیّۀ قد تکون علی نحو المشاع، وهو اشتراك جماعۀ فی ملک علی سهام
متساویۀ، أو مختلفۀ، ولهذا النوع من الملکیّۀ أحکام خاصّ ۀ مذکورة فی أبواب البیع، والإجارة، والشرکۀ، والمضاربۀ، والمزارعۀ،
وغیرها، أضف إلی ذلک الوقف الخاص، فانّه أیضاً قسم آخر من الملکیّۀ المشترکۀ، ولکن لیس کالمشاع، وله أیضاً أحکام خاصّ ۀ
مذکورة فی أبواب الوقف. وهنا نوع آخر من الملکیّۀ فی الموقوفات العامّۀ کالمساجد، والقناطر الموقوفۀ، والخانات، وشبهها، فعلی
القول بأنّها من قبیل فکّ الملک، وأنّها خارجۀ عن ملک کلّ أحد حتی المسلمین جمیعاً، فهی خارجۀ عن المقسّم فی هذا البحث.
ولکن ذکرنا فی محلّه أنّ هذا القول وإن اشتهر فی ألسنۀ المعاصرین ولکنها لا تساعده الأدلّۀ، فانّه لا شک أنّه إذا خربت بعض أبنیۀ
المسجد وبقی منها أخشاب وأبواب وأحجار لا تنفع فی تعمیره وتجدید بنائه، ولیس هناك مسجد آخر یُستفاد منها فیه، فإنّه یجوز
بیعها، وصرف ثمنها فی تعمیره وتجدید بنائه، ولو کان من قبیل فکّ الملک لم یصحّ هذا فانّه لا بیع إلّافی ملک. والتفریق بین أرض
المسجد وبنائها بعید عن الصواب، لعدم الدلیل علیه. فلا مناص عن قبول کونه ملکاً إمّا لجمیع المسلمین، ولکن لا کالأراضی
المفتوحۀ عنوة، فإنّ لها أحکاماً خاصّۀ لا ترتبط إلّابها، أو یقال: إنّ المساجد وأشباهها ملک تشریعی للَّه، وإن کان هو مالک الملوك،
وله ملک السموات والأرض، لکنّها مالکیّۀ تکوینیّۀ ناشئۀ عن خلقها وتدبیرها وفقرها إلیه تعالی، فله جلّ شأنه ملک تشریعی، وإن کان
هو مالک تشریعاً أیضاً لجمیع الأملاك، لکنّها ملک طولی فوق ملک العباد. ولهذا البحث صلۀ تُذکر فی المقام المناسب لها إن شاء
اللَّه، والمقصود من جمیع ذلک تشعّب أنواع الملکیّۀ واختلاف أحکامها. ولکنّ قاعدة التسلّط لا تختص بالملکیّۀ الشخصیّۀ الفردیّۀ،
بل الظاهر أنّها تشمل کلّ ملک طلق، فاذا کان هناك ملک مشاع فلأربابه جمیعاً السلطۀ علیه بما لا یزاحم حقّ کلّ واحد منهم للآخر.
ص: 25 وهذا المعنی إمّا داخل فی عموم هذه القاعدة بعینها، أو لا أقل من دخوله فی ملاکها ومناطها للعلم
بعدم الخصوصیّۀ.
المقام الثانی: تنبیهات
اشارة
وهنا أمور ینبغی التنبیه علیها:
-1 حدود قاعدة التسلّط
قد ثبت من جمیع ما ذکرنا أنّ لکلّ إنسان سلطۀ علی أمواله، یفعل فیها ما یشاء، ویقلبها کیف یرید، ولکنّ هذا المعنی لا ینافی
صفحۀ 22 من 146
تحدیدها بحدود خاصّ ۀ، وقیود مختلفۀ، بل لا ینافی استثناءات کثیرة واردة علیها من طریق بناء العقلاء، وطبقاً لأحکام الشرع. نعم،
حدّدها الکتاب والسنّۀ من حیث متعلّقها تارة، ومن ناحیۀ طرق کسبها أخري، وکیفیّۀ مصرفها ثالثۀ، والحقوق التی تتعلّق بها رابعۀ،
وغیر ذلک. أمّا من ناحیۀ المتعلّق فقد حرّم الشرع کلّ ما فیه وجه من وجوه الفساد، مثل المیتۀ، والدم، ولحم الخنزیر، ولحوم السباع،
والخمر، وکلّ شیء من وجوه النجس، وکلّ منهی عنه ممّا یُتقرّب به لغیر اللَّه عزّوجلّ کالأصنام وکلّ بیع ملهوٍّ به کالآت القمار،
وآلات اللهو، وکلّ ما یقوّي به الکفر والشرك مثل کتب الضلال وما أشبه ذلک ... إلی غیر ذلک ممّا ورد فی روایۀ تحف العقول
المشهورة. فانّ شیئاً من هذه لا یدخل فی ملک أحد، ولا یصحّ بیعه ولا شراؤه. کما أنّه لا یجوز تحصیل ما یُباح ملکه من طریق معاونۀ
الظلمۀ، وأخذ الرشوة، والغش، والخیانۀ، والسحر، والشعبدة، والقمار، وتعلیم ما یحرم تعلیمه، والفحشاء، واللعب بالآت اللّهو وغیر
ذلک ممّا یحرم فعله، فإنّ اللَّه إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه. أمّا من ناحیۀ طرق اکتسابها، فلا شکّ أنّها مقیّدة بقیود شتّی کأن تکون تجارة
عن تراض من دون إکراه ولا إجبار، وصدور العقد عن البالغ العاقل المتمکّن شرعاً من التصرّف فی أمواله، وکون البیع غیر غرريّ ولا
ربويّ، وغیر ذلک من شروط البیع، ص: 26 والشراء، والهبۀ، والمزارعۀ، وغیرها، بل وکذا بالنسبۀ إلی الحیازة
والإحیاء وأمثالهما ممّا ورد من طیّات أبواب الفقه. وکذا عدم کون التسلّط علی المال موجباً للضّرر علی المسلمین کما ستأتی الإشارة
إلیه عن قریب إن شاءاللَّه. وأمّا من ناحیۀ المصرف فهو أیضاً لیس مطلقاً، بل لابدّ أن لا یکون فیه إسراف، ولا تبذیر، ولا أن یُصرف
فی وجوه المعاصی، وطرق الفساد، ولا الإضرار بالغیر، ولا بالنّفس إجمالًا. والحاصل أنّ کون الإنسان مسلّطاً علی أمواله یتقلب فیه
کیف یشاء لا ینافی تقییده بقیود مختلفۀ من شتی الجهات، بل نجد أنّ أحکام أبواب المعاملات علی سعتها إنّما شُرّعت لبیان تلک
القیود. کما أنّ هذا العموم لا ینافی تعلّق حقوق الفقراء وغیرهم بها علی حسب ما ورد فی أبواب الزکاة، والخمس، وغیرهما، ولکن
مع ذلک کلّه فهی قاعدة عامّۀ یؤخذ بها ما لم یرد دلیل علی التخصیص والتقیید، وهی حجّۀ فی جمیع أبواب المعاملات فیما لا یوجد
هناك دلیل خاصّ یخالفه.
وغیرها « الحقوق » -2 هل القاعدة مختصّۀ بالأموال أو تشمل
،« وعلی حقوقهم » فقط، وأنّ الناس مسلّطون علی أموالهم، ولکن قد یضاف إلیه « الأموال » قد عرفت أنّ ما ورد فی الأخبار هو عنوان
عند الاستدلال علی جواز إسقاط الضمان فی الرهن بقوله: « الرهن » فی کتاب « الجواهر » ولکن لم نجد به روایۀ عدا ما أشار إلیه فی
ص: 27 وقد .«1» « ودعوي عدم صحۀ إسقاط مثل ذلک یدفعها عموم تسلّط النّاس علی حقوقهم وأموالهم »
عرفت أنّه لم ینقل هذا العنوان فی سایر أبواب الفقه، وکأنّه أخذه من بناء العقلاء، وقبولهم سلطنۀ کلّ ذي حقّ علی حقوقه، بعد عدم
ردع الشارع عنه. أو أنّه تمسّک فی ذلک بقیاس الأولویۀ، فإنّ الإنسان إذا کان مسلّطاً علی أمواله کان مسلّطاً علی حقوقه بطریق أولی.
فلم یرد فی نصوص الباب، ولا کلمات الأصحاب، فی شیء من أبواب الفقه منه فیما تصفّحناه. فانّ « علی أنفسهم » وأمّا تسلّط النّاس
کان المراد تسلّط الإنسان علی نفسه فی أبواب الإجارات، فیجوز له أن یکون أجیراً علی کلّ أمر مشروع بأي أجرة أرادها، وأمثال
ذلک، فلا شکّ فی ثبوت هذه السلطنۀ له، بل یمکن أن یقال إنّه من قبیل الأموال، لأنّ أفعال الإنسان الحرّ وإن لم تکن أموالًا بالفعل،
إلّاأنّها أموال بالقوّة، فتأمّل! وإن أبیت عن ذلک، فعمدة ما یدلّ علی تسلّط الإنسان علی أمواله من بناء العقلاء یدلّ علی تسلّطه علی
نفسه من هذه الناحیۀ. وکذلک بالنسبۀ إلی عقد النکاح وأشباهه، فإنّه مسلّط علی نفسه من هذه الناحیۀ فی کلّ أمر مشروع، وجمیع ما
یدلّ علی اشتراط الاختیار، وعدم الإکراه والإجبار فی أبواب النکاح وشبهها تدلّ علی عموم هذه السلطنۀ. فتسلّط النّاس علی أنفسهم
من هذه الجهات ممّا لا یرتاب فیه. وکذلک بالنسبۀ إلی إرادته فی طریق طاعۀ اللَّه، وفعل ما یجوز له فعله بحسب حکم الشرع، بل قد
یعبّر عن هذه السلطۀ بالملکیّۀ، کما ورد فی قوله تعالی حکایۀ عن موسی علیه السلام عند عصیان بنی إسرائیل وخروجهم عن أمره:
وإن کان المراد تسلّط الإنسان علی نفسه بأن یقتل نفسه .«1» « قَالَ رَبِّ إِنِّی لَاأَمْلِکُ إِلَّا نَفْسِی وَأَخِی فَافْرُقْ بَیْنَنَا وَبَیْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِینَ »
صفحۀ 23 من 146
من دون أيّ مبرّر، أو یلقیها فی التهلکۀ فی غیر ما هو أهم منه، بل ایراد نقص علی أعضائه وضرر عظیم ص: 28
علی جسمه أو عقله فإنّ شیئاً من ذلک غیر جائز، وهذا النوع من التسلّط لم یثبت لأحد علی نفسه. ولکن قد عرفت أنّه لم یثبت مثل
هذا فی باب الأموال أیضاً، فلا یجوز لأحد إتلاف ما له بغیر مبرّر، ولا إحراقه، ولا إفساده، فلو کان هناك دلیل علی عموم التسلّط علی
الأنفس کان قابلًا للتخصیص بمثل هذه الأمور، کما هو کذلک فی باب الأموال والحقوق. والحاصل أنّ تسلّط النّاس علی أنفسهم-
بهذا العنوان- لم یرد فی آیۀ ولا روایۀ، ولکنّ مفاده ومغزاه ثابت بحسب بناء العقلاء فیما عرفت توضیحه.
-3 نسبۀ هذه القاعدة مع غیرها
وما نتکلم فیه هنا نسبتها مع قاعدة لا ضرر، وإلّا فقد عرفت أنّ عموم قاعدة التسلّط مخ ّ ص صۀ بکلّ ما ورد فی أبواب المعاملات من
الشرائط والقیود، وکذلک کلّ ما ورد فی أبواب المحرّمات من تحریم بعض التصرفات فی الأموال من الاسراف، والتبذیر، وإنفاقها
فی طرق الحرام والفساد. وفی نسبتها مع قاعدة لا ضرر خلاف بینهم، فیظهر من بعض المحقّقین کونهما من قبیل المتعارضین. قال
فی مسألۀ جواز تصرّف المالک فی ملکه وأن تضرّر الجار، بعد الاعتراف بأنّه معروف « الکفایۀ » المحقّق السبزواري رحمه الله صاحب
ویشکل جواز ذلک فی ما إذا تضرّر الجار تضرّراً فاحشاً، کما إذا حفر فی ملکه بالوعۀ فعدّ بها بئر الغیر، » : بین الأصحاب ما هذا نصّه
بما حاصله: « الرّیاض » انتهی). وإن اعترض علیه فی ) « أو جعل حانوته فی صفّ العطّارین حانوت حداد، أو جعل داره مدبغۀ أو مطبخۀ
،« أنّ النّاس مسلّطون علی أموالهم » أنّه لا معنی للتأمّل بعد إطباق الأصحاب علیه نقلًا وتحصیلًا، والخبر المعمول علیه، بل المتواتر من
وأخبار الإضرار علی ضعف بعضها وعدم تکافئها تلک الأدلّۀ ص: 29 محمولۀ علی ما إذا لم یکن غرض
إلّاالإضرار، بل فیها کخبر سمرة إیماء إلی ذلک، سلّمنا، لکن التعارض بین الخبرین بالعموم من وجه، والترجیح للمشهور، للأصل
وغیره معلومیّۀ تقدیم قاعدة التسلّط علی قاعدة لا ضرر، إمّا من جهۀ حکومتها علیها، أو من جهۀ « الریاض » وظاهر کلام .«1» « والإجماع
کونهما متعارضین بالعموم من وجه، وتقدیمها علیها بحکم الأصحاب. والإنصاف أنّه لیس قاعدة التسلّط حاکمۀ علی لا ضرر، بل ولا
مقدمۀ علیها عند التعارض، بل ولا من قبیل المتعارضین، بل الحقّ هنا قول ثالث، وهو القول بالتفصیل فی المسألۀ. توضیحه: أنّ الضرر
الحاصل من عموم تسلّط النّاس علی أموالهم علی أنحاء: 1- إذا لزم من ترك تصرّف المالک فی ملکه ضرر علیه یُعتدّ به. 2- إذا لم
یلزم من ترکه التصرّف ضرر، ولکن تفوت بعض منافعه. 3- إذا لم یلزم شیء منهما، ولکن بدا له التصرّف عبثاً، أو لبعض المنافع
الجزئیّۀ التی لا یُعتدّ بها. 4- إذا کان قصده من ذلک التصرّف الاضرار بالغیر فقط من دون أن ینتفع به. لا ینبغی الإشکال فی عدم
جواز الأخیر، فإنّه القدر المتیقّن من عموم لا ضرر، بل الظاهر أنّ مورد روایۀ سمرة هو بعینه هذه الصورة، کما أشرنا إلیه فی بیان
قاعدة لا ضرر. وأمّا الصور الثلاثۀ الأخري فظاهر المحکی عن المشهور الحکم بالجواز فیها مطلقاً، بل إدّعی الإجماع علیه فی الصورة
« الدروس » والشهید رحمه الله فی ،« التذکرة » الأولی. ولکنَّ صریح بعضهم کالمحقّق رحمه الله، وظاهر آخرین کالعلّامۀ رحمه الله فی
استثناء الصورة الأخیرة حیث قیَّد الأول منهم الجواز ص: 30 بصورة دعاء الحاجۀ إلیه، والباقی بما جرت به
العادة، ومن المعلوم أنّه لم تکن هناك حاجۀ فی الصورة الأخیرة، ولا جرت به العادة، ولعل کلمات غیر هؤلاء الأعلام أیضاً منصرفۀ
عن هذه الصورة، فیبقی الکلام فی الصورتین الأولتین. وشیخنا العلّامۀ الأنصاري رحمه الله حکم بتقدیم جانب المالک فیهما، نظراً إلی
عموم قاعدة تسلّط النّاس علی أموالهم، وقاعدة نفی الحرج، بعد سقوط لا ضرر من الجانبین. والإنصاف أنّ قاعدة التسلّط حیث إنّها
متّخذة من بناء العقلاء بإمضاءٍ من الشرع فی حدّ ذاتها قاصرة عن شمول کلّ تصرّف. فأيّ عاقل یجوّز للمالک التصرّف فی ماله بما
یوجب ضرراً علی جاره من دون عود منفعۀ إلیه أو دفع ضرر منه، بل عبثاً وتشهیّاً؟! بل أيّ عاقل یرخّص للمالک أن یجعل داره مدبغۀ
بین دور المسلمین، وحانوته للحدادة فی صفّ العطّارین بما یوجب فساد أمتعتهم وبضاعتهم، وعدم قدرتهم علی المکث هناك؟ ومن
هنا یظهر أنّ قاعدة التسلّط بذاتها قاصرة عن شمول الصورة الرابعۀ من صور المسألۀ، حتی مع قطع النظرعن ورود أدلّۀ لا ضرر، فدلیل
صفحۀ 24 من 146
لا ضرر هنا تأکید آخر علی هذا الحکم. والوجه فی جمیع ذلک أنّ تسلّط المالک علی ماله لیس إلّاکسائر الاعتبارات العقلائیّۀ، لها
حدود، وشرائط معلومۀ، لا یمکن تعدّیها، فانتفاع المالک بماله لابدّ أن یکون فی هذا المجال فقط. إذا عرفت هذا یبقی الکلام فیما
إذا تعارض ضرر المالک والجار، فیما لا یخرج تصرّف المالک فی ملکه عن الحدود العقلائیّۀ، وکذلک إذا لزم من ترك تصرّفه
فوت منفعۀ منه، من دون ورود ضرر علیه. فالأول مثلما إذا رفع جداره علی جانب جدار جاره بما یتضّرر منه، کما إذا أوجب انخفاض
قیمۀ داره، مع أنّه إذا لم یرفع المالک جداره تضرّر من ناحیته، أو فات بعض منافعه. ص: 31 ففی الصورة الاولی
التی هی من باب تعارض الضررین تتساقط قاعدة لا ضرر من الجانبین، لأنّه من باب المنّۀ علی العباد، ولا منّۀ فی إضرار بعض
المؤمنین بنفی الضرر عن بعض آخر، وحینئذٍ یرجع إلی قاعدة التسلّط. وأمّا فی الصورة الثانیۀ فتتعارض قاعدة لا ضرر مع قاعدة
التسلّط، ولکنّ المرتکر فی الأذهان ما عرفت من دعوي الشهرة أو الإجماع من الأصحاب، علی تقدیم قاعدة التسلّط، والظاهر أنّه لیس
من الباب التعبّد ووصول روایات خاصّۀ إلیهم لم تصل إلینا، بل من ناحیۀ أنّ منع المالک عن التصرّف فی ماله إذا کان ینتفع به منفعۀ
معتداً بها خلاف المنّۀ، فلا یدخل تحت قاعدة لا ضرر، وإذا سقطت تلک القاعدة لم یبق إلّاقاعدة تسلّط النّاس علی أموالهم. هذا کله
إذا لم نقل بأنّ منع المالک عن ترك الإنتفاع بماله یکون دائماً من قبیل الضرر، فانّ کلّ مالٍ معدّ للإنتفاع، وإذا منع منه کان ضرراً،
فتأمل!
-4 نسبۀ قاعدة التسلّط مع الواجبات المالیّۀ
یبقی الکلام فی النسبۀ بین هذه القاعدة وما دلّ علی وجوب الزکاة، والخمس فی أموال النّاس وما دلّ علی أنّ للمیّت حقّ فی ثلث
ماله إذا أوصی به، وکذا ما دلّ علی حجر المفلّس بحکم الحاکم، وغیر ذلک من أشباهها. لا ینبغی الشک فی ورود بعض ما ذکر
علی قاعدة التسلّط، فانّ ما یدلّ علی تشریک اللَّه ورسوله وذوي الحقوق الآخرین فی أموال الناس ینفی مکلیۀ المالک بالنسبۀ إلی هذا
وَاعْلَمُوا أَنَّمَ ا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَی » : المقدار، وإذا انتفت الملکیّۀ انتفت السلطنۀ، وقال اللَّه تعالی
بناءاً علی کونه «1» « وَفِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالَمحْرُومِ » : ص: 32 وقال .«1» «... وَالْیَتَامَی وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ
ناظراً إلی الحقوق الواجبۀ. وکذا ما دلّ علی أنّ اللَّه عزّوجلّ فرض للفقراء فی أموال الأغنیاء ما یسعهم، ولو علم أنّ ذلک لا یسعهم
فإنّ ظاهره أنّ الزکاة لیست واجباً تکلیفیاً فقط، بل هو حکم وضعی، .«« لو أنّ النّاس أدّوا حقوقهم لکانوا عایشین بخیر » و «... لزادهم
وإن کان ظاهراً فی أنّ المال لهم، ولکن کونهم مالکین إنّما هو «... خذ من أموالهم » : وحقّ للفقراء فی أموال الأغنیاء، فقوله تعالی
بحسب الظاهر وقبل فرض الزکاة، لا أقول أنّهم شرکاء علی نحو الإشاعۀ، بل أقول أنّ لأرباب الزکاة حقّاً وضعیّاً فیها، وقد أوضحنا
حال هذا الحق وآثاره فی أبواب الزکاة، وأنّه حق لا کسائر الحقوق، له أحکام خاصّ ۀ، واخترنا هذا القول من بین الأقوال الثمانیۀ
الموجودة فی المسألۀ فی کیفیۀ تعلّق حقّ الفقراء بأموال الأغنیاء. أمّا إذا لم یکن من هذا القبیل فلا شکّ أنّ أدلۀ تعلّق هذه الواجبات
المالیّۀ حاکمۀ علی قاعدة التسلّط لأنّها ناظرة إلیه، فلا یبقی شکّ فی تخصیصها بها، ولو لم تکن النسبۀ بینهما عموماً وخصوصاً مطلقاً.
ص: 33 .« حجیّۀ البیّنۀ » ویتلوه الکلام إن شاء اللَّه فی قاعدة « قاعدة التسلّط » إلی هنا تمّ الکلام فی
11 قاعدة حجیّۀ البیّنۀ
اشارة
والمراد منها هنا شهادة عدلین، أو ما یقوم مقامها من شهادة المرأة، فی جمیع الموضوعات، ممّا یترتب علیه حکم من أحکام الشرع،
فلا یمّهنا البحث فی أنّ تسمیۀ شهادة العدلین باسم البیّنۀ هل هی حقیقۀ شرعیّۀ ثابتۀ من لدن زمن « البیّنۀ » فلا یدور الکلام مدار لفظ
صفحۀ 25 من 146
النّبی صلی الله علیه و آله، أو بعد ذلک فی زمن المعصومین علیهم السلام، أو فی لسان الفقهاء؟ والحاصل أنّ المقصود هنا إثبات
قاعدة کلیّۀ تقوم علی حجیّۀ شهادة عدلین فی جمیع أبواب الفقه، سواء فی باب القضاء أو غیره من الأبواب والموضوعات. وعدّها من
القواعد الفقهیّۀ- لا من المسائل الأصولیّۀ ولا المسائل الفقهیّۀ- إنّما هو من هذه الجهۀ، فإنّه لا یبحث هنا عن ما یقع فی طریق
الإستنباط حتی یکون مسأله أصولیّۀ، بل یبحث عن ما یقع فی طریق إثبات الموضوعات. کما أنَّها لیست من المسائل الخاصّ ۀ فی
الفقه، لأنّها تجري فی جمیع الأبواب من الطهارة إلی الدیات، وعلی کلّ حال نتکلم حول هذه القاعدة فی مقامات: 1- المقام الأوّل:
- فی تعریف البیّنۀ ومعناها لغۀً وشرعاً. 2- المقام الثانی: فی أدلّۀ حجیتها بعنوان عام من الکتاب، والسنّۀ، والإجماع، وبناء العقلاء. 3
المقام الثالث: شرائطها والقیود المعتبرة فیها. 4- المقام الرابع: الموارد المستثناة من هذه القاعدة، التی یلزم فیها أربعۀ شهود القواعد
الفقهیۀ، ج 2، ص: 36 وما تقوم فیها شهادة المرأة مقام شهادة الرجل. 5- المقام الخامس: فی اعتبار کون البیّنۀ فی الأمور المحسوسۀ.
-6 المقام السادس: فی کون حجیّۀ البیّنۀ عامّاً لکلّ أحد وبالنسبۀ إلی جمیع الآثار. 7- المقام السابع: فی نسبۀ البیّنۀ مع غیرها. 8- المقام
الثامن: فی تعارض البیّنتین.
المقام الأوّل: فی تعریفها ومعناها لغۀً وشرعا
الدلالۀ الواضحۀ، عقلیۀ کانت أو محسوسۀ، وسمی :« المفردات » فی « الراغب » وهی کما قال « بان، یبیّن، بیاناً وتبیاناً » مأخوذة من « البیّنۀ »
وقد استُعملت فی هذا المعنی (الدلالۀ .«1» « البیّنۀ علی المدّعی والیمین علی من أنکر » الشاهدان بیّنۀ لقوله صلی الله علیه و آله
الواضحۀ) فی عشرات من الآیات فی القرآن الحکیم. وقد استُعملت بصورة المفرد فی تسعۀ عشر موضعاً من کتاب اللَّه، منها قوله
واستُعملت بصورة .«3» «... لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَۀٍ وَیَحْیَا مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَۀٍ » : وقوله تعالی .«2» «.. قَدْ جَاءَتْکُمْ بَیِّنَۀٌ مِنْ رَبِّکُمْ » : تعالی
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْکِتَابَ وَالْمِیزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ » : فی اثنین وخمسین موضعاً، منها قوله تعالی « البیّنات » الجمع
والمراد منها فی جمیع هذه الآیات .«5» «... وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَیْکَ آیَاتٍ بَیِّنَاتٍ وَمَا یَکْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ » : وقوله تعالی .«4» «... بِالْقِسْطِ
علی کثرتها هو معناها اللغوي، أي: الأمر ص: 37 البیّن الواضح، سواء کان من المعجزات الباهرات، أو من
و ،« المبینات » و ،« المبینۀ » الآیات القرآنیۀ، والکلمات الإلهیۀ، التی نزلت علی الأنبیاء والرسل. واستعمل سائر مشتقاتها أیضاً من
وغیرها فی آیات کثیرة فی هذا المعنی. ومن الجدیر بالذکر أنّه لم یستعمل فی شیء من آیات الکتاب علی « المستبین » و ،« المبین »
کثرتها هذه الکلمۀ فی معناها المصطلح فی الفقه، بل استعمل- کما سیأتی- شهادة العدلین أو الرجلین أو شبه ذلک. ومن هنا وقع
الکلام بینهم فی أنّ لها حقیقۀ شرعیّۀ فی شهادة العدلین من لدن زمن النّبی الأکرم صلی الله علیه و آله، أو لم تثبت لها ذلک، وإنّما
ثبت کونها حقیقۀ فی هذا المعنی فی زمن الصادقین علیهما السلام ومَن بعدهم من الائمۀ علیهم السلام، أو لم یثبت شیء من ذلک؟
الظاهر من کلمات القوم أنّ البیّنۀ کانت حقیقۀ فی هذا المعنی من لدن عصره صلی الله علیه و آله، ولذا استدلّوا بالحدیث المشهور عنه
تبادر هذا المعنی منها فی » : علی حجیّۀ قول العدلین. قال بعض المحقّقین « إنّما أقضی بینکم بالبیّنات والأیمان » : صلی الله علیه و آله
لسان الشرع یرجع إلی انصراف المفهوم الکلّی إلی بعض مصادیقه، ولذلک لم یحتمل أحد من الفقهاء من قوله صلی الله علیه و آله:
أن یکون مراده «2» « إنّما أقضی بینکم بالبیّنات والأیمان » : أو قوله صلی الله علیه و آله «1» .« البیّنۀ علی المدّعی والیمین علی من أنکر »
صلی الله علیه و آله غیر هذا المعنی. ولکن یمکن الخدش فیه بأنّ فهم الفقهاء (رضوان اللَّه علیهم)، وتبادر هذا المعنی فی أذهانهم،
یمکن أن یکون مستنداً إلی ما حدث فی الأزمنۀ المتأخرة، فلا یکون دلیلًا علی کونها حقیقۀ فی هذا المعنی فی عصر النّبی صلی الله
بأنّ اختصاص عنوان البیّنۀ فی الشریعۀ عند الإطلاق علی « تحقیق الدلائل » علیه و آله ومن بعده. ص: 38 وقال فی
البیّنۀ علی المدّعی » : ما فوق الواحد، من الواضحات بأدنی رجوع إلی کلماتهم والأخبار، فبسببه بعد اشتهار قوله صلی الله علیه و آله
جعلت شهادة خزیمۀ بن ثابت شهادیتن، وسمی به حتی اشتهر بذي الشهادتین، وبه اتفقت الأخبار الحاکیۀ لأقضیتهم علی شهادة «...
صفحۀ 26 من 146
فإن کان مراده من ذلک کونه حقیقۀ فی هذا المعنی من لدن زمانه صلی الله علیه و آله فما ذکره لا .«1» ( اثنین (انتهی موضع الحاجۀ
یثبت شیئاً من ذلک، وجعل شهادة خزیمۀ شهادتین من قبیل بیان المصداق، ولا یدلّ علی انحصار المفهوم فیه. وقال النراقی فی
إنّ معناها المصطلح فی الأخبار هو الشاهد المتعدّد، ویدلّ علیه توصیفها فی روایۀ منصور عن الصادق علیه السلام بالجمع، :« العوائد »
والذي یمکن أن یقال إنّ لفظ البیّنۀ لم تثبت لها حقیقۀ شرعیّۀ ولا » :« التنقیح » ولذا قال فی .«2» « وأقام البیّنۀ العدول » : حیث قال
،« بِالبَیِّناتِ وَالزُّبُرِ » : متشرعیۀ، وإنّما استعملت فی الکتاب والأخبار بمعناها اللغوي، وهو ما به البیان، وما به یثبت الشیء، ومنه قوله تعالی
وغیرها من الموارد، ومن الظاهر أنّها لیست «5» ،« إنْ کُنتُ عَلی بَیِّنَۀٍ مِنْ رِبِّی » : وقوله تعالی «4» ،« حتّی تَأْتِیَهُم البَیّنۀُ » : وقوله تعالی «3»
إنّما أقضی بینکم بالبینات » : فی تلک الموارد إلّابمعنی الحجّ ۀ وما به البیان، وکذا فی ما ورد عن النّبی صلی الله علیه و آله من قوله
أي بالأیمان والحجج، وما به یبیّن الشیء، ولم یثبت فی شیء من هذه الموارد أنّ البیّنۀ بمعنی شهادة القواعد الفقهیۀ، «6» « والأیمان
علی ما نطقت به جملۀ من الأخبار بیان أنّ النّبی الأکرم «... إنّما اقضی » : ج 2، ص: 39 عدلین، وعرضه صلی الله علیه و آله من قوله
صلی الله علیه و آله وسائر الائمۀ علیهم السلام سوي خاتم الأوصیاء المهدي (عج) لا یعتمدون فی المخاصمات والمرافعات علی
أقول: ولکن مع ذلک کلّه فهناك قرائن مختلفۀ واردة فی أخبار الباب یمکن أن .«1» « علمهم الوجدانی المستند إلی النّبوة والإمامۀ
یستفاد من مجموعها أنّ البیّنۀ کانت حقیقۀ فی هذا المعنی فی عصر الائمۀ علیهم السلام، وانتقلت من معناها اللغوي العام الشامل لکلّ
والأشیاء کلّها علی » : دلیل إلی خصوص شهادة العدلین، وإلیک نماذج منها: 1- ما ورد فی ذیل روایۀ سعدة بن صدقۀ الآتیۀ، من قوله
فانّ جعل الإستبانۀ فی مقابل قیام البیّنۀ دلیل علی أنّ البیّنۀ لیست مطلق الإستبانۀ .«2» « هذا حتی تستبین لک غیر هذا أو تقوم به البیّنۀ
قلت لأبی عبداللَّه علیه السلام: رجل فی » : والدلیل الظاهر الواضح، بل خصوص شهادة العدلین. 2- ویدلّ علیه أیضاً روایۀ منصور قال
فانّ .«... یده شاة، فجاء رجل فادّعاها فأقام البیّنۀ العدول أنّها ولدت عنده ... وجاء الذي فی یده بالبیّنۀ مثلهم عدول أنَّها ولدت عنده
توصیف البیّنۀ بالعدول مرتین فی الروایۀ دلیل علی أنّ المراد منها الشهود العدول عند إطلاقها، ولذا أطلق عنوان البیّنۀ علی هذا المعنی
حقّها للمدعی، ولا أقبل من الذي فی یده » : من غیر تغییر بالعدول فی نفس هذه الروایۀ مراراً، حیث قال الصادق علیه السلام فی جوابه
.«3» « بیّنۀ، لأنّ اللَّه عزّوجلّ إنّما أمر أن تطلب البیّنۀ من المدّعی فإن کانت له بیّنۀ، وإلّا فیمین الذي هو فی یده، هکذا أمر اللَّه عزّوجلّ
أقام به البیّنۀ العادلۀ » : -3 ما ورد فی روایۀ محمد بن عبداللَّه بن جعفر الحمیري عن صاحب الزمان (أرواحنا فداه) وفیها قوله فی السؤال
ص: 40 فانّ توصیف البیّنۀ بالعادلۀ قرینۀ علی أنّ المراد منها خصوص الشهود .«4» « ... وله بذلک کلّه بینّۀ عادلۀ
سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن الرجل یأتی القوم فیدّعی » : لا غیر. 4- ما ورد فی روایۀ أبی بصیر عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال
داراً فی أیدیهم ویقیم البیّنۀ، ویقیم الذي فی یده الدار البیّنۀ أنّه ورثها عن أبیه، ولا یدري کیف کان أمرها؟ قال: أکثرهم بیّنۀ
فإنّ تقیید البیّنۀ بالأکثریۀ دلیل علی أنّ المراد منها خصوص الشهود فتدبّر. 5- ما ورد فی روایۀ عبداللَّه .«1» «... یُستحلف وتدفع إلیه
سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام یقول: إنّ رجلین اختصما فی دابّۀ إلی علی علیه السلام فزعم کلّ واحد منهما أنّها نتجت » : بن سنان قال
فانّ توصیف البیّنۀ بقوله (سواء فی العدد) دلیل علی أنّ المراد .«2» «... عنده علی مذودة، وأقام کلّ واحد منهما البیّنۀ سواء فی العدد
کان » : منها الشهود. 6- وما ورد فی تفسیر الإمام الحسن بن علی العسکري عن آبائه علیهم السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال
رسول اللَّه صلی الله علیه و آله إذا تخاصم إلیه رجلان قال للمدّعی ألک حجّ ۀ؟ فإنّ أقام بیّنۀ یرضاها ویعرفها أنفذ الحکم علی
المدّعی علیه، وان لم یکن له بیّنۀ حلف المدعی علیه باللَّه ما لهذا قبله ذلک الذي إدّعاه، ولا شیء منه، وإذا جاء بشهود لا یعرفهم
فإنّ توصیف البیّنۀ بکونها معروفۀ عنده صلی الله علیه و آله ویرضاها، .«3» الحدیث «... بخیر ولا شرّ قال للشهود أین قبائلکما؟ فیصفان
فبدّل البیّنۀ « وإذا جاء بشهود لا یعرفهم بخیر ولا شرّ » : دلیل علی أنّ المراد منها الشهود، ولذا ذکر فی مقابله بعد تلک العبارة قوله
بالشهود، فهذا دلیل علی أنّ المراد بهما واحد، فإذا عرف الشهود ورضیهما حکم به وإن لم یعرفهم بعث إلی قبائلهما واستخبر حالهما.
ویتحصل من جمیع ذلک أنّ کونها حقیقۀ فی هذا المعنی فی زمن الائمۀ علیهم السلام بحیث یُفهم منها عند اطلاقها لا ینبغی إنکاره،
صفحۀ 27 من 146
وأمّا کونها کذلک فی زمن النّبی ص: 41 الأکرم صلی الله علیه و آله فهو قابل للتأمّل، وإن کان بعض ما مرّ
مشعراً بکونه کذلک حتی فی عصره صلی الله علیه و آله، واللَّه العالم.
المقام الثانی: فی أدلّۀ حجیّۀ البیّنۀ
اشارة
ویدلّ علیها أمور:
الأول: کتاب اللَّه العزیز
یَا أَیُّهَا » : وفیه آیات کثیرة تدلّ علی حجیّۀ قول العدلین من غیر التصریح بعنوان البیّنۀ. منها: ما ورد فی سورة المائدة فی أحکام الوصیۀ
ودلالتها علی .«1» «... الَّذِینَ آمَنُوا شَ هَادَةُ بَیْنِکُمْ إِذَا حَ َ ض رَ أَحَ دَکُمْ الْمَوْتُ حِینَ الْوَصِ یَّۀِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْکُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَیْرِکُمْ
حجیّۀ قول العدلین واضحۀ، وإن لم یکن موردها خصوص الشهادة، بل یحتمل کونهما مع ذلک وصیین عن المیت، فاذا قبلت قولهما
فالمراد منه علی « أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَیْرِکُمْ » : فی الشهادة والوصایۀ، فقبوله فی الشهادة المجرّدة عن الوصایۀ بطریق أولی. وأمّا قوله تعالی
الظاهر شاهدان آخران ثقتان من غیر المسلمین إذا لم یوجد من المسلمین، ولا شکّ أنّه مختص بحال الضرورة، وإلّا فالإیمان شرط بلا
أَوْ آخَرَانِ » : وقد یقال إنّ قوله .«2» أي من الأجانب « غیرکم » من أقاربکم و « منکم » : إشکال. واحتمل بعضهم أن یکون المراد من قوله
منسوخ، ولکنّ المشهوربین الأصحاب بقائه وعدم نسخه، وتخصیصه بشهادة أهل الذمّۀ مع تعذرّ شهادة المسلمین فی « مِنْ غَیْرِکُمْ
ص: 42 سواء کانت «... تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ » : الوصیّۀ. وأمّا القیود الأخر الواردة فی هذه الآیۀ من قوله
واجبۀ أو مستحبّۀ فهی مختصۀ بموردها، وما یلحق بها، ولا ینافی ما نحن بصدده. ومنها: قوله تعالی فی حکم کفارة قتل الصید فی
یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّیْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْکُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ یَحْکُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ » : حال الإحرام
دلّ علی وجوب کون الکفّارة مماثلًا للحیوان الذي اصطاده، وحیث إنّ المماثلۀ قد تخفی وتکون مورداً للشک، وجب .«1» «... مِنْکُمْ
أن تکون بحکم ذوي عدل، أي: خبرین عدلین. وهل المرّد المماثلۀ فی الکبر والصغر والنوع، أو المماثلۀ فی القیمۀ؟ الظاهر هو الأول،
بعد ذکر العدالۀ إمّا من باب التأکید، لأنّ العدالۀ لا تنفلّ عن الإیمان « منکم » : وإلیه ذهب أصحابنا فی ما یوجد له مماثل. وتقییده بقوله
والإسلام، وإمّا من جهۀ أنّ العدالۀ هنا بعنی الوثاقۀ التی قد تجتمع مع الإیمان وعدمه، فذکر هذا القید لاشتراط الإیمان. نعم، یرد علیه:
أنّ الآیۀ ناظرة إلی حجیّۀ قول أهل الخبرة، مع أنّ کلامنا فی حجیّۀ قول الشاهدین فی المحسوسات، ولکن یمکن الجواب عنه بأنّ
فَإِذَا بَلَغْنَ » : حجیّۀ قول العدلین فی الحدسیات دلیل علی حجیّته فیالحسیات بطریق أولی (فتأمل). ومنها: قوله تعالی فی أحکام الطلاق
أي: إذا بلغت النساء عدّتهن، والمراد ببلوغ .«2» «... أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْکُم
العدّة، کما قیل مقاربتها أو مشارفۀ تمامها، بحیث یبقی للزوج مجال للرجوع، فإمّا أن یرجع إلیها، ویحسن معاشرتها، فیکون من قبیل
الإمساك بالمعروف، أو یترکها حتی تخرج عدّتها فیکون من المفارقۀ بالمعروف. ص: 43 وهل الاشهاد بالنسبۀ
إلی الرجوع کما قالت الشافعیّۀ، أو راجع إلی الطلاق کما ذهب إلیه أصحابنا، وهو المروي عن أئمتنا علیهم السلام لکون الکلام فی
الطلاق، فانّ هذا لا یتفاوت فیما نحن بصدده، فإنّه دلیل علی حجیّۀ قول العدلین إمّا فی الطلاق أو الرجوع وهو المطلوب. ومنها: قوله
وَاسْتَشْهِدُوا شَ هِیدَیْنِ مِنْ رِجَالِکُمْ فَإِنْ لَمْ یَکُونَا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ ... وَأَشْهِدُوا » : تعالی فی حکم الدین
صفحۀ 28 من 146
دلت الآیۀ علی الوجوب أو الاستحباب فی کتابۀ الدیون، واشهاد رجلین مسلمین، (بقرینۀ قوله تعالی: من رجالکم) .«1» «... إِذَا تَبَایَعْتُم
وأشهدوا » : إشارة إلی العدالۀ أو الوثاقۀ، وقوله بعد ذلک «... ممن ترضون من الشهداء » : وقوله ،« وإنْ لم یکونا رجلین فرجل وأمرأتان »
ظاهر فی إشهاد عدلین، الذي سبق ذکره، فالآیۀ دالّۀ علی حجیّۀ قول العدلین فی الدیون، وکذا فی أبواب البیوع. وکون « إذا تبایعتم
الأمر هنا عند مالک للوجوب والأصح أنّه » :« کنز العرفان » هذا الحکم بعنوان الوجوب أو الاستحباب لا یهمّنا بعد ما عرفت. وقال فی
ولو لم یکن المقام مقام الإرشاد أمکن القول بوجوبه لظهور الأمر فی الوجوب. وتحصّل ممّا .«2» « إمّا للندب أو الإرشاد إلی المصلحۀ
ذکرنا حجیّۀ شهادة العدلین فی الطلاق، والوصیّۀ، والدین، والبیع، وأحکام الکفّارات، وهل یمکن استفادة العموم من هذه الموارد
الخاصّ ۀ، أو لابدّ من الإقتصار علی مواردها، وعدم التعدّي منها إلی غیرها؟ الإنصاف أنّه بحسب الفهم العرفی یصطاد منها العموم بلا
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَکِّرَ » إشکال، لاسیّما مع مناسبۀ الحکم والموضوع، وقوله تعالی فی أحکام الدین
الذي هو من قبیل التعلیل وهو دلیل علی العموم ولا أقلّ من الإشعار. ص: 44 وبالجملۀ، ، «3» « إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَي
لو لم یکن فی المقام دلیل آخر علی العموم کفانا ما ورد فی الکتاب العزیز، ولکن ستعرف أنّ هناك أدلّۀ کثیرة أخري أیضاً. وقد
وَأَقِیمُوا الشَّهَادَةَ للَّهِ » : وقوله تعالی ، «1» «... وَلَا تَکْتُمُوا الشَّهَادَةَ » : یستدلّ هنا بالآیات الواردة فی حکم وجوب الشهادة مثل قوله تعالی
وغیر ذلک. ولکنّ الانصاف أنّها بأنفسها غیر دالّۀ علی المقصود إلّاأنّ ینضم إلی الإجماع أو غیرها، بل یأتی فیها ما ذکر فی ، «2» «...
الاصول فی أبواب حجیّۀ خبر الواحد، من أنّ وجوب الإظهار علی العالم، والإنذار علی الفقیه، وأشباههما لا تدلّ علی حجیّۀ قولهم
تعبّداً، نعم، غایۀ ما یمکن أن یقال فی المقام إنّها لو لم تکن حجّۀ لکانت لغواً، ولکن یکفی فی دفع اللغویۀ حصول العلم منها کثیراً،
کما یحصل بقول العالم والفقیه.
الثانی: السنّۀ
استخراج الحقوق بأربعۀ وجوه، بشهادة » : أمّا الرّوایات العامۀ فهی کثیرة واردة فی باب القضاء منها: 1- ما رواه یونس عمّن رواه، قال
رجلین عدلین، فإن لم یکونا رجلین فرجل وأمرأتان، فإن لم تکن أمرأتان فرجل ویمین المدّعی، فإن لم یکن شاهد فالیمین علی
ولکنها مرسلۀ، مضافاً إلی الإضمار وعدم التصریح باسم الإمام المرويّ عنه فیها. 2- ما رواه صفوان الجمال فی .«3» « المدّعی علیه
قال أبو عبداللَّه علیه السلام: لقد حضر الغدیر اثنا عشر ألف رجل یشهدون لعلی بن أبی طالب علیه السلام، فما قدر علی » : حدیث قال
-3 ما رواه محمد بن سنان، عن الرضا علیه السلام فی ما .«4» « أخذ حقّه، وأنّ أحدکم یکون له المال، ویکون له شاهدان فیأخذ حقّه
والعلّۀ فی شهادة أربعۀ فی الزنا واثنتین فی سائر الحقوق، لشدّة حدّ » کتب إلیه فی جواب مسائله: ص: 45
أنّ البیّنۀ علی المدّعی والیمین علی المدّعی » إلی غیر ذلک ممّا ورد فی هذا المعنی. 4- منها ما دلّ علی . «« المحصن، لأنّ فیه القتل
،« البیّنۀ علی المدّعی والیمین علی المدّعی علیه » : بنحو عام، کالخبر المعروف المروي عن النبی الأکرم صلی الله علیه و آله قال « علیه
قال رسول اللَّه صلی الله علیه و آله: البیّنۀ علی من إدّعی، والیمین علی من » : وهو مروي أیضاً عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال «2»
إنّ نبیّاً من الأنبیاء شکی » : -5 ما رواه سلیمان بن خالد، عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال فی کتاب علی علیه السلام .«3» « أُدّعی علیه
إلی ربّه فقال: یا ربّ! کیف أقضی فیما لم أر ولم أشهد؟ قال: فأوحی اللَّه إلیه: احکم بینهم بکتابی، وأضفهم إلی اسمی، فحلّفهم به،
والروایات فی هذا المعنی کثیرة جدّاً رواها فی الوسائل فی الباب الأول والثانی والثالث من أبواب .«4» « وقال: هذا لمن لم تقم له بیّنۀ
کیفیّۀ الحکم من کتاب القضاء. ولکن کلّ لک مبنیٌّ علی أنّ المراد بالبینۀ شاهدي عدل، وقد مرّ کلامنا فی هذا المعنی فراجع. ثم إنّ
هذه الروایات وإن کانت عامۀّ فی أبواب القضاء، متضافرة، أو متواترة، ولکن لا تشمل الموضوعات المختلفۀ فی أبواب الفقه إذا لم
تکن محلّاً للدعوي، اللّهم إلّا أنّ یتمسک بالأولویۀ، ویقال: إذا کان الشاهدان حجّ ۀ فی أبواب الحکم والقضاء، وما فیه النزاع
صفحۀ 29 من 146
والدعوي، ففی ما لیس کذلک یکون حجّ ۀ بطریق أولی، ولیس ببعید. وأمّا الروایات العامۀ التی تشمل الأبواب کلّها، سواءٌ أبواب
المرویّۀ عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال: « مسعدة بن صدقۀ » القضاء وغیرها، فلم ص: 46 نجد منها غیر روایۀ
سمعته یقول: کلّ شیء هو لک حلال حتی تعلم أنّه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک، وذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته »
وهو سرقۀ، والمملوك لک لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبیع قهراً، أو أمرأة تحتک وهی اختک أو رضیعتک، والأشیاء کلّها علی
فانّ « مسعدة » وأورد علیها تارة بضعف السند للإشکال المعروف فی وثاقۀ .«1» « هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنۀ
والکشی، وغیرهم .. ذکروه من غیر توثیق، مضافاً إلی ،« الفهرست » والشیخ رحمه الله فی ،« الخلاصۀ » النجاشی، والعلّامۀ رحمه الله فی
أنّه عامري تبري، ولکن اجیب عنه بأنّ عمل الأصحاب یوجب انجبارها. هذا، ولکن وجود روایات کثیرة، وآیات متعدّدة علی حجیّۀ
شهادة العدلین یمنع عن العلم أو الظنّ بکون استناد الأصحاب فی إثبات حجیتها إلی روایۀ مسعدة. وأورد علیها من حیث الدلالۀ أیضاً:
أوّلًا: بأنّ المراد من البیّنۀ معناها اللغوي، وهو الدلیل الواضح الظاهر، ولا أقل من الشکّ فالروایۀ مجملۀ. ولکن قد عرفت أنّها وإن
کانت بهذا المعنی فی اللغۀ، والاستعمالات القرآنیۀ، ولکن نقلت إلی المعنی الشرعی، لا سیّما فی زمن الصادقین علیهما السلام. وهنا
« حتی تستبین أو تقوم به البیّنۀ » : قرینۀ واضحۀ فی نفس الروایۀ علی هذا المعنی أیضاً فإنّه جعلت البیّنۀ فی مقابل الاستبانۀ العلمیّۀ، فقال
وهذا یدلّ علی أنّ المراد بالبیّنۀ غیر ما هو معناها اللغوي، وإلّا لم یحتج إلیه بعد ذکر الإستبانۀ. وثانیاً: أنّ البیّنۀ فی الروایۀ جعلت غایۀ
للحلیّۀ، فغایۀ ما یستفاد منها أنّ الحلیّۀ المستندة إلی أصالۀ الحلّ تنتهی بقیام البیّنۀ، وأمّا أنّ البیّنۀ حجّۀ فی نفسها فلا دلیل علیه. القواعد
الفقهیۀ، ج 2، ص: 47 والإنصاف سقوط هذا الإشکال أساساً، فإنّ ظاهرها- لاسیّما بقرینۀ عطف البیّنۀ علی الاستبانۀ- أنّه إذا قام البیّنۀ،
أو الدلیل العلمی علی الحرمۀ، یؤخذ بها، لأنّها حجّۀ، فاذن لا یبقی مجال بلا إشکال علی الروایۀ من حیث الدلالۀ. وههنا إشکال آخر
لا من هذه الناحیۀ، بل من جهۀ أنّ الحلیّۀ فی الأمثلۀ المذکورة فی الروایۀ لیست مستندة إلی أصالۀ الحلّ، بل فی مسألۀ الثوب، والعبد
مستندة إلی حجیّۀ الید، وفی مسألۀ الرضاع مستندة إلی استصحاب عدمه، فشیء من الامثلۀ غیر منطبق علی قاعدة الحلّ. ولکن یمکن
أن یجاب عنه: أولًا: بأنّ المراد من الاستناد إلی قاعدة الحل أنّه مع قطع النظر عن الید والإستصحاب فإنّ الحکم هو الاباحۀ، فتأمل، أو
أنّ ذکر الأمثلۀ من باب التقریب إلی الذهن. وثانیاً: وجود الإشکال فیها من حیث الأمثلۀ وعدم العلم بمحتواها ومغزاها من هذه الناحیۀ،
لا یمنع عن الأخذ بالکبري الواردة فیها، فتدبّر. هذا، وقد وردت روایات خاصّۀ کثیرة فی مختلف أبواب الفقه لا یمکن إحصاء جمیعها
فی هذا المختصر، ولکن یمکن اصطیاد العموم من مجموعها، واستظهار الإطلاق من ناحیتها، بحیث لا یبقی شکّ للناظر فیها فی حجیّۀ
البیّنۀ مطلقاً وإلیک نماذج من هذه الروایات نلقیها علیک من أبواب مختلفۀ من کلّ باب نموذجاً. منها: ما ورد فی أبواب النکاح، عن
سألته عن رجل تزوج أمرأة فی بلد من البلدان فسألها لکِ زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها، ثم إنّ رجلًا أتاه فقال: هی أمرأتی، » : یونس قال
ومن طرق العامّۀ ما روي عن النّبی صلی الله علیه و .«1» « فأنکرت المرأة ذلک، ما یلزم علی الزوج؟ فقال: هی أمرأته إلّاأنّ یقیم البیّنۀ
ص: 48 وفی روایۀ أخري مرویّۀ عن طرقنا عن أبی الحسن .«2» « لا نکاح إلّابولی وشاهدي عدل » : آله أنّه قال
إنّ اللَّه أمر فی کتابه بالطلاق، وأکّ د فیه بشاهدین، ولم یرض بهما إلّاعدلین، وأمر فی کتابه » : موسی علیه السلام قال لأبی یوسف
وفی غیر واحد منها أنّه إنّما جعلت البیّنۀ فی .«1» «! بالتزویج، فأهمله بلا شهود، فاثبتّم شاهدین فیما أهمل، وأبطلتم الشاهدین فیما أکّد
النکاح من أجل المواریث. وهناك روایات أخر واردة فی أبواب 22 و 23 وغیرهما من کتاب النکاح فی الوسائل ممّا یدلّ علی هذا
المعنی. ومنها: ما ورد فی أبواب الطلاق من اشتراط صحۀ الطلاق بوجود شاهدین عدلین، فانّ هذا لیس تعبداً محضاً، بل الظاهر أنّ
اعتبار الشهود من جهۀ عدم خفاء طلاق المرأة، وإمکان إثباته فی المستقبل، سواءاً عند القضاء أو غیره، فلا یرجع هذا الحکم إلی
وإن طلّقها للعدّة بغیر شاهدي عدل فلیس » : حجیّۀ البیّنۀ فی أبواب القضاء فقط. فعن بکیر بن أعین وغیره، عن أبی جعفر علیه السلام
إنّ علیاً » : ومنها: ما ورد فی أبواب رؤیۀ الهلال من کتاب الصوم، مثل ما عن الحلبی عن أبی عبداللَّه علیه السلام .«2» « طلاقه بطلاق
قال أمیر » : وما رواه حمّاد بن عثمان عنه علیه السلام أیضاً قال .«3» « علیه السلام کان یقول: لا اجیز فی الهلال إلّاشهادة رجلین عدلین
صفحۀ 30 من 146
ص: 49 وما رواه .«4» « المؤمنین علیه السلام: لا تجوز شهادة النساء فی الهلال، ولا یجوز إلّاشهادة رجلین عدلین
صم لرؤیۀ الهلال، وافطر لرؤیته، وإن شهد عندك شاهدان مرضیّان بأنّهما رأیاه » : منصور بن حازم عنه علیه السلام أیضاً أنّه قال
ومثله روایات کثیرة أخري أوردها فی الوسائل فی أبواب الصیام. وهذا المعنی مروي من طرق أهل السنۀ أیضاً مثل ما .«1» « فاقضه
کان رسول اللَّه صلی الله علیه و آله لا یجیز علی شهادة الإفطار » : رواه ابن عمر وابن عباس عن رسول اللَّه صلی الله علیه و آله قالا
ولکن وردمن طرقهم کفایۀ شهادة الرجل الواحد أیضاً. ومنها: ما ورد فی أبواب الأطعمۀ فی باب الجبن عن أبی .«2» « إلّاشهادة رجلین
کلّ شیء لک » : عبداللَّه علیه السلام حیث شکّ بعض أصحابه فی حلّیته لما وصل إلیهم من وضع أنفحۀ المیتۀ فیها، قال علیه السلام
وقد ذکرنا فی محله أنّ انفحۀ المیتۀ وإن کانت طاهرة وحلًالا عند الأصحاب، .«3» « حلال حتی یجیأك شاهدان یشهدان أنّ فیه میتۀ
ولکن یمکن نجاسۀ ظاهرها بالملاقاة مع الرطوبۀ بالمیتۀ. ومنها: ما ورد فی کتاب الحدود فی حکم السّاحر أنّه سئل رسول اللَّه صلی
ومنها: ما ورد فی باب الشهادة علی الشهادة .«4» « إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلک فقد حلّ دمه » : الله علیه و آله عن السّاحر، فقال
ص: 50 .«5» « إن شهد رجلان عدلان علی شهادة رجل فقد ثبت شهادة رجل واحد » : عن الصادق علیه السلام
ألا أحدثک بوصیّۀ فاطمۀ علیها السلام- » : ومنها: ما ورد فی أبواب الوقوف، والصدقات عن أبی بصیر قال: قال أبو جعفر علیه السلام
إلی أن قال- فإن مضی علی فإلی الحسن، فإن مضی الحسن فإلی الحسین، فانّ مضی الحسین فإلی الأکبر من ولدي، تشهد اللَّه علی
ومنها: ما ورد فی أحکام الوصایا عن علی .«1» « ذلک، والمقداد بن الأسود، والزبیر بن العوام، وکتب علی بن أبی طالب علیه السلام
من أقّر لأخیه فهو شریک فی المال ولا یثبت نسبه، فانّ أقرّ اثنان فکذلک، إلّاأن یکونا عدلین فیثبت نسبه، ویضرب » : علیه السلام قال
هذا قلیل من کثیر ممّا ورد فی هذه الأبواب ممّا یتجاوز حدّ التواتر، وهی وإن کانت واردة فی موضوعات .«2» « فی المیراث معهم
خاصّ ۀ، إلّاأنّ الناظر فیها یستدل بها علی العموم فی أول نظرة، بحیث لا یبقی له شک فی أنّ قبول قول الشاهدین فی هذه الأبواب لا
ینشأ من خصوصیات فیها، بل هو ناشیء عن حجیّۀ قول العدلین علی الإطلاق وفی جمیع الأبواب.
الثالث: الإجماع
لا یخفی علی الناظر فی أبواب الفقه، من الطهارات إلی الدیات، أنّ فقهاءنا (رضوان اللَّه علیهم) یعتمدون علی البیّنۀ فی کلّ باب،
بحیث یعلم الناظر منها حجیّۀ البیّنۀ عندهم بصورة عامّۀ، نعم قد یحکی عن شرذمۀ قلیلۀ عدم الإعتماد علیها فی بعض الأبواب، مثل ما
نسب إلی القاضی ابن براج من إنکار حجیّۀ البیّنۀ العادلۀ فی إثبات النجاسۀ، وما حکی عن ظاهر السیّد مرتضی رحمه الله فی
وبعض آخر من أنّ الاجتهاد لا یثبت بشهادة عدلین لعدم ،« المعارج » والمحقق رحمه الله فی ص: 51 ،« الذریعۀ »
الدلیل علیه. لکنّها شاذة لا یمکن الإعتماد علیها فی قبال ما عرفت. نعم، الإجماع وإن کان ثابتاً إلّاأنّه لا یمکن الاستدلال به کدلیل
مستقل هنا، لما حقق فی محله من أنّه لا یمکن استکشاف قول المعصوم منه مع وجود أدلۀ أخري فی المسألۀ، مع أنّ معیار حجیّتها هو
استکشاف قول المعصوم منه، وما نحن فیه من هذا القبیل، لما عرفت من الأدلّۀ الظاهرة الواضحۀ المتکاثرة من هذا الباب. ولا بأس
بالإشارة إلی إنموذج من کلمات الأصحاب فی الأبواب المختلفۀ ممّا یشهد بمعلومیّۀ حجیّۀ البیّنۀ عندهم کدلیل عام، وکفاك فی
،« الصیام » ذلک ما أورده شیخ الطائفۀ رحمه الله فی مختلف أبواب الفقه فإنّه اعتمد علیها، بل إدّعی الإجماع علی اعتبارها، فی أبواب
لا یقبل فی رؤیۀ هلال رمضان » :( فی کتاب الصیام فی المسألۀ ( 8 « الخلاف » وغیرها. قال فی ،« النکاح » و ،« الحدود » و ،« الطلاق » و
لا یثبت هلال شعبان (شوّال) ولا شیء من الشّهور » : وقال فی المسألۀ ( 61 ) منه .«1» « إلّاشهادة شاهدین ... دلیلنا إجماع الطائفۀ والأخبار
وقال فی المسألۀ .«2» « إلّا بشهادة نفسین عدلین، وبه قال الشافعی ... دلیلنا إجماع الفرقۀ، وأیضاً قبول شاهدین فی ذلک مجمع علیه
کلّ طلاق لم یحضره شاهدان مسلمان عدلان وإن تکاملت سائر الشروط فانّه لا یقع ... دلیلنا إجماع الفرقۀ » : 5) من کتاب الطلاق )
صفحۀ 31 من 146
ومن الواضح أنّ حضور الشاهدین دلیل علی قبول شهادتهما فی هذا الموضوع فیما یمکن أن یقع الخلاف فیه بعد .«3» « وأخبارهم
إذا قذف زوجته بأنّ رجلًا أصابها فی ص: 52 دبرها حراماً لزمه » :( ذلک. وقال فی کتاب اللعان فی المسألۀ ( 18
الترجمۀ: لا تثبت إلّا بشهادة » : وقال فی کتاب القضاء فی المسألۀ ( 9) فی حکم الترجمۀ .«1» « الحدّ بذلک ... وله اسقاطه بالبیّنۀ
لا یثبت النکاح، والخلع، والطلاق، والرجعۀ، » :( وقال فی کتاب الشهادات فی المسألۀ ( 4 .«2» وبه قال الشافعی ،« شاهدین لأنّها شهادة
والقذف، والقتل الموجب للقود، والوکالۀ، والوصیۀ إلیه، والودیعۀ عنده والعتق، والنسب، والکفالۀ، ونحو ذلک ما لم یکن مالًا ولا
وعموم کلامه .«3» « المقصود منه المال، ویطلّع علیه الرجال، إلّابشهادة رجلین ... دلیلنا أنّ ما اعتبرناه مجمع علی ثبوت هذه الأحکام به
وشموله واضح لا یخفی علی أحد. وهکذا کلمات غیره من أکابر المتقدمین والمتأخرین فی هذا المعنی لا نطیل المقام بذکرها بعد
وضوحها.
الرابع: بناء العقلاء
لا شکّ أنّ بناءَهم علی قبول قول الثقۀ فی إثبات الموضوعات فی مقام القضاء وغیره، وإن اختلفت آراؤهم فی شرائطه، وحدوده،
کما عرفت، وسیأتی إن شاء اللَّه « العدد » و « العدالۀ » وقیوده، وعدده، ومن الواضح أنّ الشارع لم یردع عنه بل أمضاه، ولکن مع شرط
أیضاً فی طیّ المباحث الآتیۀ.
المقام الثالث: شرائطها والقیود المعتبرة فیها
ولا نحتاج فی هذا المقام إلی مزید کلام بعد ما عرفت من الآیات من الذکر ص: 53 الحکیم، التی ورد فیها
اعتبار الرجلین والعدالۀ، فقد نصّ علی ذلک فی سورة المائدة فی حکم الوصیّۀ، وفی سورة الطلاق فی حکم الطلاق، وفی سورة
البقرة فی أحکام الدین، وفی سورة المائدة فی حکم أهل الخبرة بمساواة الکفارة والصید. کلّ ذلک دلیل علی اعتبار الأمور الثلاثۀ فی
وقد صرّح بذلک أیضاً فی طیّات أخبار الباب التی عرفت الإشارة إلی طوائف منها، فقد ورد .« العدالۀ » و ،« العدد » و ،« الذکوریۀ » : البیّنۀ
فیها التصریح بالتعدد، والعدالۀ، والذکوریۀ. فممّا ورد التصریح فیه بجمیع ذلک مرسلۀ الصدوق عن الصادق علیه السّلام فی باب
وما رواه الحلبی عنه أیضاً عن .«2» وما رواه حمّاد بن عثمان، عن الصادق علیه السلام فی أبواب رؤیۀ الهلال .«1» الشهادة علی الشهادة
وما رواه زید بن علی، عن أبیه عن آبائه علیهم السلام عن رسول اللَّه صلی الله علیه و آله .«3» أمیر المؤمنین علیه السلام فی هذا الباب
ما ورد أیضاً عن محمد بن مسلم، عن « شاهدین عدلین » إلی غیر ذلک ممّا یظهر للمتتبع. وممّا یدلّ علی اعتبار .«4» فی حکم الساحر
وما رواه بکیر بن أعین وغیره، عن أبی جعفر علیه السلام فی باب الشهود .«5» أبی عبداللَّه علیه السلام فی باب الشهادة علی الهلال
إلی غیر ذلک ممّا «7» فی باب الطلاق أیضاً، وأنّه لا یجوز إلّا بشهادة عدلین « فقه الرضا » عن « البحار » وما رواه فی .«6» علی الطلاق
و ،« التعدد » ورد فی هذا المعنی. ص: 54 ومن الواضح ظهور عنوان شاهدین عدلین فی الشرائط الثلاثۀ
وقد ورد فی بعض أخبار الباب إعتبار کونهما رجلین عدلین مرضیین، وهو یثبت المقصود مع تأکید، وهو ما .« العدالۀ » و ،« الذکورة »
نعم، لم یرد فی بعض الروایات إلّاتوصیف .«1» رواه مسمع بن عبدالملک، عن أبی عبداللَّه علیه السلام فی باب الشهادة علی الزندقۀ
إنّ أحکام المسلمین علی ثلاثۀ: » : الشهادة بالعادلۀ، مثل ما رواه ضمرة بن أبی ضمرة، عن أبیه، عن جدّه، عن أمیر المؤمنین علیه السلام
وفی بعضها ورد عنوان الرجولیۀ، والتعدد، من غیر ذکر اشتراط العدالۀ، . «« شهادة عادلۀ، أو یمین قاطعۀ، أو سنّۀ ماضیۀ، من أئمۀ الهدي
قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل » : مثل ما رواه محمد بن قیس، عن أبی جعفر علیه السلام- فی باب الشهادة علی السرقۀ- قال
من غیر ذکر العدد، والعدالۀ، والذکورة، وهی روایات کثیرة « البیّنۀ » وما ورد فیه عنوان .«3» « شهد علیه رجلان بأنّه سرق، فقطع یده
صفحۀ 32 من 146
مبثوثۀ فی أبواب الفقه. ومن الواضح أنّ مقتضی القاعدة الجمع بین جمیع هذه الطوائف وإرجاع مطلقاتها إلی مقیداتها، باعتبار
الشروط الثلاثۀ، فلا یکفی غیر رجلین عدلین إلّاما خرج بالدلیل، وسیأتی الإشارة إلیه إن شاء اللَّه.
المقام الرابع: الموارد المستثناة من هذه القاعدة
قد عرفت أنّ الأصل فی البیّنۀ أن تکون من خلال رجلین عدلین، فشهادة النساء، لا تقبل إلّافی موارد ورد الدلیل الخاصّ فیها، وسیأتی
الکلام فیها فی المقام ص: 55 الآتی، وکذلک لا یعتبر أکثر من الرجلین إلّافی موارد خاصّۀ، وقع التصریح بها
فی الأدلّۀ. وأمّا أنّه هل یمکن الإکتفاء بقول عدل واحد مطلقاً فی جمیع الموضوعات، أو مع الیمین فی أبواب الشهادات، فهو بحث
مطلقاً، المحصن وغیر المحصن، « الزنا » آخر سیأتی فی محلّه إن شاء اللَّه. والذي قام الدلیل علی اعتبار الزائد من الرجلین فیها هو
واللواط، والسّحاق، فإنّ المعتبر فیها أربعۀ رجال، حتی أنّ قتل النفوس المؤمنۀ مع کثرة أهمیّتها وشدّة اهتمام الشارع بها لا یعتبر فی
إثباتها غیر الشاهدین، فکأنّ الشارع المقدس أراد ستر النّاس فی هذین البابین مهما أمکن، والاحتفاظ بأمرهم. والذي یدلّ علی لزوم
وَالَّذِینَ یَرْمُونَ الُمحْ َ ص نَاتِ ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَۀِ شُهَدَاءَ » : الأربع فی الزنا هو صریح الکتاب العزیز، فقد قال (عزَّ من قائل) فی کتابه العزیز
دلّ علی أنّ حکم القذف لا یثبت إلّابأربعۀ شهداء، «1» « فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِینَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَ هَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِکَ هُمْ الْفَاسِقُونَ
وَاللَّاتِی یَأْتِینَ الْفَاحِشَ ۀَ مِنْ نِسَائِکُمْ » : دلیل علی کونهم من الذکور. ویدلّ علیه أیضاً قوله تعالی « الشهداء » والتعبیر بأربعۀ، وکذلک
وقد قام الإجماع بقسمیه علی هذا المعنی، وشهدت له السنّۀ المعتبرة المستفیضۀ، فقد قال أمیر .«2» «... فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَرْبَعَۀً مِنْکُمْ
لا» : وقال علیه السلام أیضاً .«3» « لا یجلد رجل ولا أمرأة حتی یشهد علیهما أربعۀ شهود علی الإیلاج والإخراج » : المؤمنین علیه السلام
ص: 56 إلی غیر ذلک ممّا .«4» « یرجم رجل ولا أمرأة حتی یشهد علیهما أربعۀ شهود علی الإیلاج والإخراج
من أبواب حدّ الزنا، وغیرها. وورد التصریح فیها بأنّه إذا کانت الشهود أقلّ من أربعۀ یجلدون حدّ «12» جمعه فی الوسائل فی الباب
القذف!. وهکذا الحکم بالنسبۀ إلی اللّواط فانّه أیضاً مجمع علیه بین الأصحاب، وإن لم یرد فیه روایۀ صریحۀ، ولکن استدلّ الأصحاب
عن أبی عبداللَّه علیه السلام من اعتبار إقرارات أربع، وعدم کفایۀ إقرار واحد، بل ولا ثلاثۀ « هنا بما ورد فی صحیحۀ مالک بن عطیه
فانّ المترائی من أحادیث الإقرار فی أبواب الزنا أنّ کلّ إقرار یقوم مقام شهادة، فإذا اعتبر الإقرار أربع مرة فلابدّ من اعتبار أربعۀ .«1»
شهود، لاسیّما مع کون الإقرار أولی من الشهادة فی هذه الأبواب کما لا یخفی، ولذا یکفی فی أبواب الحقوق الإقرار مرّة واحدة، مع
أنّ الشهادة فیها لا تکون إلّاباثنین، فإذا لم یثبت اللواط بأقل من أربعۀ إقرارات لا یثبت بأقل من أربعۀ شهود بطریق أولی. والحاصل أنّ
الحکم فی هذا الباب ممّا لا یقبل الإنکار، ولا کلام فیه عندهم. وهکذا الکلام فی المساحقۀ، فانّ المعروف فیها أیضاً عدم اعتبار الأقل
أنّ المسألۀ مفروغ عنها، وإن حکی عن المحقق « الجواهر » وذکر فی ،« کشف اللثام » من أربعۀ شهود، بل إدّعی الإجماع علیه فی
من کفایۀ الإقرار مرّتین وشهادة العدلین، ولکنّه ضعیف، لما ورد فی الروایات أنّه هو الزناء « مجمع البرهان » الاردبیلی رحمه الله فی
وما دلّ علی أنّ حدّها .«3» بل وفیها ما دلّ علی أنّه کاللواط فی الرجال «2» ، الأکبر الذي أحدثته بنت ابلیس کما أحدث أبوها اللواط
ص: 57 ویظهر من جمیعها أنّ طریق ثبوتها .«4» ( حدّ الزانی (فی غیر المحصن مائۀ جلدة وفی المحصن الرجم
کطریق ثبوت الزنا واللواط، فلا یکتفی فیه بأقل من أربعۀ وتمام الکلام فیه فی محلّه. وأمّا عدم قبول شهادة النساء فی الموضوعات فهو
ظاهر ممّا عرفت من الأدلّۀ والأخبار الکثیرة التی صرّح فیها باعتبار رجلین عدلین، أو شاهدین مرضیین، أو غیر ذلک ممّا یفید هذا
المعنی، فالأصل فی أبواب الشهادات عدم قبول شهادتهنّ فی غیر ما ورد فیه الدلیل. فما ذکره بعض الأعلام من أنّ عنوان البیّنۀ عامّ
یشمل الرجال والنساء کماتري، لما عرفت من أنّ إطلاق البیّنۀ- لو سلّمنا صدقها علی شهادتهنّ- مقیّدة بما عرفت ممّا یدلّ علی اعتبار
الذکوریّۀ فیها، من الروایات الواردة فی الأبواب المختلفۀ. نعم، قد ورد فی أبواب الشهادات کفایۀ شهادتهنّ فی بعض الموضوعات،
و « الشهادة » کما ورد کفایۀ شهادتهنّ منضمۀ إلی الرجال فی أبواب الحدود، وتفصیل الکلام فیها موکول إلی محله من کتابی
صفحۀ 33 من 146
.« الحدود »
المقام الخامس: فی اعتبار کون البیّنۀ فی الأمور المحسوسۀ
لا ینبغی الشکّ فی أنّ المعتبر فی حجیّۀ البیّنۀ أن یکون فی المحسوسات، وأمّا غیرها ممّا لا یحیط به الحسّ فهو غیر داخل فی أحکام
البیّنۀ، وإن قلنا بحجیّۀ الشهادة فیها أیضاً، فإنّه داخل فی عنوان الرجوع إلی أهل الخبرة، وله أحکام أخر سیأتی الإشارة إلیها إن شاء
اللَّه. ویدلّ علی ما ذکرنا أمور: 1- الظاهر أنّه لا خلاف بین الأصحاب فی هذا المعنی. 2- أخذ عنوان الشهادة فی هذا الباب دلیل
علیه، فإنّها من الشهود، وهو ظاهر فی کون المشهود فیه أمراً محسوساً. 3- الأخبار العامۀ والخاصّۀ الواردة فی البیّنۀ التی أشرنا إلیها
سابقاً کلّها أو جلّها ص: 58 ظاهرة فی ما کان المخبر به أمراً حسیّاً، فلا یستفاد منها عموم یشمل غیر
المحسوسات. 4- الروایات الخاصّ ۀ الدالۀ علی لزوم کون الشهادة عن حسّ دلیل واضح علی المقصود، مثل ما رواه علی بن غیاث،
عن « الشرایع » وما رواه المحقّق رحمه الله فی .«1» « لا تشهدنّ بشهادة حتی تعرفها کما تعرف کفّک » : عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال
ولا أقلّ من الشکّ فی .«2» « هل تري الشّمس؟ علی مثلها فاشهد أو دع » : النبی الأکرم صلی الله علیه و آله وقد سئل عن الشهادة، قال
شموله لما علم من غیر طریق الحسّ، والأصل عدم القبول- والأمر فی هذا سهل- لا سیّما مع بناء العقلاء أیضاً فی شهاداتهم علی
ذلک فلا یکتفون بشهادة من علم بشیء من قرائن حدسیۀ. إنّما الکلام فی المراد من الحسّ هنا، فإنّه لو کان المقصود کون مورد
الشهادة دائماً محسوساً بأحد الحواس الخمسۀ (أو أکثر من الخمسۀ) فهذا غیر صحیح قطعاً، فإنّ من یشهد بأنّ زیداً ابن عمرو، أو
أخوه، أو عمه، أو خاله، فهل یمکن أن یکون هذا محسوساً له، وهل شاهد تولّده منه، أو تولدهما من أُم واحدة؟ کلّا بل رآه فی بیته
یتعامل معه معاملۀ ابنه، یربّیه، ویکفله، واشتهر بذلک کلّ الشهرة، فمن خلال هذه الأمور یقطع بأنّه ابنه، فیشهد به. وهکذا الکلام فی
الشهادة علی العدالۀ فإنّها لیست من الأمور الحسیّۀ، بل مستفادة من قرائن کثیرة حسیّۀ. ومثلهما الشهادة علی الإجتهاد، والإسلام،
والإیمان، وغیر ذلک، فانّ هذه کلّها أمور غیر محسوسۀ تُعرف من آثارها، ولکنّها تعدّ فی نظر العرف أموراً حسیّۀ. فالحسّ المعتبر فی
هذا الباب له معنیً عام، یشمل ما کان محسوساً بنفسه، أو بآثاره التی یکون معها کالمحسوس. ص: 59 وهکذا
الکلام فی المسببات التولیدیّۀ التی لا تري إلّاأسبابها، وآثارها، فقتل النفس وهو زهاق الروح لیس أمراً حسیّاً، بل المحسوس ضرب
العنق بالسیف مثلًا، أو الإلقاء من شاهق، أو الإغراق فی الماء، أو الإحراق بالنّار، ثمّ بعد ذلک لا یري الحسّ والحرکۀ فی البدن، ولا
یري آثار الحیاة، فیقال کان زهاق الروح مسبباً عنه لا محالۀ. ومن هذا القبیل الشهادة بالسخاء، والشجاعۀ، وأباء النفس، أو البخل،
والدناءة، والجبن، وغیر ذلک من الصفات النفسیّۀ، فإنّ جمیعها تعرف من آثارها. وبالجملۀ المحسوس هنا أعمّ ممّا یُحسّ بنفسه، أو
بأسبابه، أو بآثاره التی تکون معه کالمحسوس بنفسه، نعم لا یمکن التعدّي منها إلی غیرها. فعلی هذا إذا علمنا من قرائن مختلفۀ أنّ
زیداً قاتل عمرو من تلجلج لسانه عند الجواب ومن تغیّر حاله عند مشاهدة آثار هذه الجنایۀ ومن أجوبته المتناقضۀ عند السؤال عن
القتل، ومن کونه شدید العداوة مع المقتول، وسماع الحوار بینهما فی ساعۀ وقوع القتل، وغیر هذه الأمور ممّا یوجب الیقین بکونه
قاتلًا، فشیء من ذلک لا یجوز الشهادة معه علی القتل، ولا تکون داخلۀ فی عنوان البیّنۀ، وإن کان القاضی قد یعمل بها لو حصلت
عنده بناءاً علی حجیّۀ علم القاضی، وجواز الحکم معه مطلقاً، أو فیما کان قریباً من الحسّ، مثل ما روي فی قضایا أمیر المؤمنین علی
علیه السلام فی رجل توفی علی عهده، وخلّف ابناً وعبداً، فادّعی کلّ واحد منهما أنّه الابن، وأنّ الآخر عبد له! فأتیا أمیر المؤمنین علیه
السلام فتحا کما إلیه، فأمر أن یثقب فی حائط المسجد ثقبین ثم أمر کلّ واحد منهما أن یدخل رأسه فی ثقب، ففعلا، ثمّ قال: یا قنبر،
جرد السیف، وإشار إلیه لا تفعل ما آمرك به، ثم قال: اضرب عنق العبد فنحّی العبد رأسه! فأخذه أمیر المؤمنین علیه السلام وقال
ولیس فی هذا الحدیث إشارة إلی اعتراف واحد منهما بعد ذلک، وإن ورد فی ص: 60 .«1» للآخر: أنت الابن
وقال: روت العامّۀ ،« الإرشاد » ومثله ما حکاه الشیخ المفید رحمه الله فی .«1» قضیّۀ أخري مشابهۀ لها، ولکنّ الظاهر أنّهما قضیتان
صفحۀ 34 من 146
والخاصّ ۀ أنّ أمرأتین تنازعتا علی عهد عمر فی طفل إدّعته کلّ واحدة منهما ولداً لها بغیر بیّنۀ- وفی ذیلها- أنّ علیاً علیه السلام قال
ایتونی بمنشار! فقالت، المرأتان فما تصنع به؟ فقال: أقدّه نصفین، لکلّ واحدٍ منهما نصفه! فسکتت أحداهما، وقالت: الأخري اللَّه اللَّه یا
إلی غیر ذلک ممّا .«2» ( أبا الحسن! إن کان لابدّ من ذلک فقد سمحت به لها، فقال علیه السلام: اللَّه أکبر هذا ابنک دونها! (الحدیث
یظفر بها المتتبّع فی طیّات کتاب القضاء وغیره، فهذا کلّه ممّا یجوز للقاضی الحکم به لعلمه الحاصل من هذه المقدمات القریبۀ من
الحسّ، ولکن لا یجوز للشاهد الإعتماد فی شهادته علی هذه الأمور وأشباهها.
المقام السادس: فی کون حجیّۀ البیّنۀ عامّاً لکلّ أحد، وبالنسبۀ إلی جمیع الآثار
لا ینبغی الشک فی أنّ مقتضی الأدلّۀ السابقۀ حجیّۀ البیّنۀ بالنسبۀ إلی جمیع الآثار وإلی کلّ أحد، کسائر الأمارات القائمۀ علی
الموضوعات، وأنّه لا اختصاص لحجیتها بمن قامت عنده البیّنۀ، بل الملاك هو العلم بقیامها، سواء کانت عنده، أو عند غیره، ولا
یحتمل بعد ملاحظۀ الأدلّۀ المذکورة أن تکون البیّنۀ عند شخص موضوعیّۀ، ولا تکون حجّۀ لغیره، کما هو کذلک فی سائر الأمارات،
بل لولا وسوسۀ بعض الأصحاب فی ذلک، وتعرّضهم للمسألۀ، وجعلها ذات قولین، لم نحتج إلی هذا المقدار من البحث أیضاً، وأيّ
خصوصیۀ للبیّنۀ من بین الأمارات؟ وأيّ أثر لقیامها عندي أو عندك؟ بل المدار علی تحقّقها فی الخارج عند أيّ شخص. القواعد
الفقهیۀ، ج 2، ص: 61 نعم، فی أبواب القضاء والأحکام الصادرة من القضاة یمکن أن یقال إنّ لقیام البیّنۀ عند القاضی خصوصیۀ،
ولکنّه أیضاً قابل للکلام، وعلی کلّ حال فلا دخل له بحجیّۀ البیّنۀ کأمارة من الأمارات القائمۀ علی الموضوعات الخارجیّۀ، والکلام
هنا فیها فقط. ویؤید ما ذکرنا، بل ویدلّ علیه ما ورد فی جواز شهادة علی الشهادة، وأنّه حجّۀ مطلقاً، أو إذا کان شاهد الأصل لا یمکنه
الحضور، ولا ینافی ما دلّ علی أنّه لا تجوز شهادة علی شهادة کما لا یخفی، فراجع الباب ( 44 ) من أبواب الشهادات من الوسائل.
المقام السابع: فی نسبۀ البیّنۀ مع غیرها
إذا تعارضت البیّنۀ مع الأصول العلمیۀ المخالفۀ لها فالأمر واضح، وأمّا إذا تعارضت مع غیرها من الأمارات کالید، وأصالۀ الصحۀ،
والقرعۀ، بناءاً علی کونها أمارة وإقرار، وغیر ذلک، ممّا یستند إلیه فی إثبات الموضوعات الخارجیّۀ، ففیه تفصیل. وحاصله أنّها تقدّم
علی قاعدة الید، وأصالۀ الصحۀ، بغیر کلام، وإلّا لم یصحّ الحکم بها فی أبواب القضاء، فإنّ جمیع موارد البیّنۀ أو جلّها فی المسائل
« البیّنۀ علی المدّعی والیمین علی من أنکر » : المالیۀ تکون فی مقابل الید، أو أصالۀ الصحّۀ فی فعل المسلم، فقوله صلی الله علیه و آله
دلیل قاطع علی ما ذکرنا. أضف إلی ذلک ورودها فی خصوص مورد الید فی بعض ما مرّ من الأخبار، مثل روایۀ مسعدة بن صدقۀ،
فانّ الأمثلۀ المذکورة فیها بعضها من موارد أصالۀ الصحّۀ وبعضها من مصادیق قاعدة الید، مع أنّه علیه السلام حکم بأن الأشیاء علی
هذه، حتی تستبین أو تقوم به البیّنۀ. وبالجملۀ لا ینبغی الشکّ فی تقدمها علیهما، وإلّا لم تبق لأبواب القضاء قائمۀ. وأمّا إذا تعارضت
بأن شکّ مثلًا بعد الفراغ عن الصلاة أنّه توضأ ص: 62 لها أم لا، ثمَّ قامت بیّنۀ علی أنّه کان ،« الفراغ » مع قاعدة
محدثاً حالها، بأن قام من النوم وأقبل علی الصلاة، والظاهر أنّها أیضاً مقدّمۀ علی قاعدة الفراغ أیضاً، سواء قلنا أنّها من الأصول أو من
« الإقرار » الأمارات، لقوّتها علیها، لا سیّما مع تقدیمها علی قاعدتی الید والصحۀ اللتان لا تقلّان عن قاعدة الفراغ. وأمّا إذا تعارضت مع
کما إذا قامت البیّنۀ علی أنّ هذا المال لزید، ولکنّه أقرّ نفسه بأنّه لیس له، فالظاهر تقدیم الإقرار علیه، لأنّه أقوي حجّ ۀ عند العقلاء،
والظاهر أنّ حکم الشارع بحجیتهما إنّما هو من باب إمضاء بناء العقلاء بجمیع شؤونهما، حتی من هذه الجهۀ، إلّاما خرج بالدلیل.
والحاصل أنّه لا یشکّ أحد أنّه لو قامت البیّنۀ علی ملکیّۀ شیء لإنسان، ولکنّه أقّر نفسه بعدمها، فانّ بناء العرف والعقلاء علی تقدیم
إقراره وتخطئۀ البیّنۀ، ولم یرد فی الشرع ما یدلّ علی خلافه. نعم، یظهر من بعض الروایات المعتبرة الواردة فی أبواب القتل، أنّه إذا
صفحۀ 35 من 146
شهدت الشهود علی شخص أنّه قاتل، ثمَّ أقرّ آخر أنّه هو القاتل، وأنّ المشهود علیه بريء من قتله، أنّ أولیاء المقتول مخیّرون بین
أمور. الأول: أن یقتل الذي أقرّ علی نفسه، وحینئذٍ لا سبیل لهم علی الآخر، کما لا سبیل لورثۀ الذي أقرّ علی نفسه علی المشهود علیه.
الثانی: أن یقتل الذي شهدت الشهود علیه، ولا سبیل لهم علی الذي أقرّ، ثم یؤدّي الذي أقرّ علی نفسه إلی أولیاء الذي شهد علیه
نصف الدیّۀ. الثالث: أن یقتلوهما جمیعاً، ولکن یجب علی أولیاء المقتول أن یدفعوا إلی أولیاء المشهود علیه نصف الدیّۀ خاصّۀ دون
وهذه الروایۀ وإن عمل بها جمع من الأصحاب إلّاأنّ العمل بها مع مخالفتها القواعد .«1» صاحبه. الرابع: أن یأخذوا الدیّۀ منهما نصفین
الفقهیۀ، ج 2، ص: 63 للقواعد والأصول التی بأیدینا من جهات شتّی مشکل جدّاً، لا سیّما فی أبواب الدماء، فالاحتیاط ممّا لا ینبغی
ترکه، ولو قلنا به فی موردها فلا یمکن التعدّي إلی غیر موردها، بل الواجب العمل بالإقرار، إذا کان جامعاً لشرائطه، وترك البیّنۀ لما
عرفت من أنّه أقوي منها.
المقام الثامن: فی تعارض البیّنتین
هذه المسألۀ مذکورة فی کتاب القضاء، وقد ذکروا فیها أبحاثاً کثیرة هناك، إلّاأنّ الذي یهمّنا هنا هو الإشارة إلیها بعنوان کلّی،
وإیکال جزئیاتها إلی مباحث القضاء، وحاصله أنّ دلیل حجیّۀ البیّنۀ کسائر الأمارات الشرعیّۀ لا تشمل المتعارضین، لأنّ حجیّۀ کلیهما-
والمفروض أنّهما متعارضتان- محال، لاشتمالها علی الجمع بین النقیضین أو الضدین، کما أنّ شمولها لواحد معیّن منهما ترجیح بلا
مرجّح، لا یمکن المصیر إلیه. والقول بالأخذ بأحدهما مخیّراً أیضاً بلا دلیل، لأنّ دلیل الحجیّۀ قامت علی حجیّۀ کلّ واحد منهما تعییناً،
وأمّا حجیّۀ واحد منهما علی التخییر فلم یدلّ علیه دلیل. کما أنّ حجیّۀ أحدهما لا بعینه ممّا لا ینبغی التفوّه به، لما ذکرنا فی محلّه من
أنّ الواحد لا بعینه لا وجود له فی الخارج، فما فی الخارج معین دائماً، وإنّما یوجد هذا المفهوم فی الذهن فقط، اللهم إلّاأنّ یرجع إلی
القول بالتخییر، وقد عرفت حاله. وحینئذٍ لا یبقی بحال إلّاالقول بتساقطهما بعد التعارض، والرجوع إلی أدلّۀ أخري. هذا هو مقتضی
القاعدة فی هذا الباب، ولکن هناك روایات کثیرة، یدلّ بعضها علی وجوب القرعۀ بین البیّنات، وأیّها وقعت القرعۀ علیها فعلی
ص: 64 وفی بعضها أنّ الحق لمن حلف مع بیّنته، وأنّهما إن حلفا جمیعاً .«1» صاحبها الیمین، وهو أولی بالحق
وفی بعضها العمل علی طبق .«1» جعل المال بینهما نصفین، وإن کان فی ید أحدهما وأقاما جمیعاً البیّنۀ کان للحالف الذي هو فی یده
« الخلاف » إلی غیر ذلک. وذکر شیخ الطائفۀ رحمه الله فی .«2» الید من دون یمین، وأنّه لو لم یکن فی یده جعل المال بینهما نصفین
أنّه إذا تعارضت البیّنتان علی وجه لا ترجیح لأحدهما علی الآخر أقرع بینهما، فمن خرج اسمه حلف، وأعطی الحق، هذا هو المعوّل
علیه عند أصحابنا، وقد روي أنّه یقسّم بینهما نصفین. ثم نقل عن الشافعی فیه أربعۀ أقوال: الأول: وهو أصحّها أنّهما تتساقطان، وبه قال
مالک. والثانی: یقرع بینهما کما قلناه، وهل یحلف أم لا؟ قولان. والثالث: یوقف أبداً. والرابع: یقسّم بینهما نصفین، وبه قال ابن عباس،
والثوري، وأبو حنیفۀ، وأصحابه. ثم قال دلیلنا إجماع الفرقۀ علی أنّ القرعۀ تستعمل فی کلّ أمر مجهول مشتبه، وهذا داخل فیه،
هذا، ولحقیق الحق من بین هذه الأقوال محل آخر قد عرفته. القواعد .«3» ... والأخبار فی المسألۀ کثیرة أوردناها فی کتب الأخبار
الفقهیۀ، ج 2، ص: 65
12 قاعدة حجیّۀ خبر الواحد فی الموضوعات
المقام الأول: فی أقوال العلماء فی المسألۀ
المشهور بین الأصحاب حجیّۀ خبر الواحد فی الأحکام، بل قد ادّعی الإجماع علیه، وهو الحق، ویدلّ علیه الکتاب، والسنّۀ، وبناء
العقلاء، وسیرة الأصحاب، کما أوضحناه فی محله فی الاصول. ولکنّ الکلام هنا فی حجیّته فی الموضوعات، فإنّها ترتبط ببحث
صفحۀ 36 من 146
القواعد الفقهیّۀ، لما قد عرفت من أنّ مفاد القاعدة الفقهیّۀ دائماً حکم شرعیّ کلیّ، یجري فی مختلف أبواب الفقه، بخلاف المسائل
الأصولیّۀ فإنّها تقع فی طریق استنباط الأحکام، فحجیّۀ خبر الواحد فی الأحکام تقع فی طریق إثبات الحکم الشرعی، فتکون مسألۀ
أصولیّۀ وأمّا حجیّته فی الموضوعات فهی حکم فقهی یستفاد منه حال موضوعات الأحکام، ولکن لمّا کان کلیّاً دخل فی أبواب
القواعد الفقهیّۀ. والمعروف أنّ خبر الواحد لا یکون حجّۀ فی الموضوعات، ولکن ذهب جماعۀ من الأصحاب، ولا سیّما المتأخرون
والمحقق الهمدانی رحمه الله فی مصباحه وغیرهم. هذا، «1» ، منهم إلی حجیّته فیها، حُکی هذا عن ظاهر التذکرة، وقوّاه فی الحدائق
ولکنّهم إنّما تعرّضوا للمسألۀ فی موارد خاصّۀ، وقد لا یمکن استفادة العموم ص: 68 منها، نعم، یظهر العموم من
بعض متأخريّ الأصحاب، حیث ذکر هذا الحکم علی الإطلاق واستدلّ علیه بدلائل یأتی الإشارة إلیها إن شاء اللَّه. ویظهر من بعض
فی « المغنی » فی « ابن قدامۀ » علماء العامّۀ أنّ القول بحجیّۀ خبر الواحد فی الموضوعات شایع بینهم، وإن ذکروه فی موارد خاصّۀ، قال
وتعلیله دلیل علی عموم .«1» « ومن أخبره ثقۀ عن علم عمل به، لأنّه خبر دینی، فقبل فیه قول الواحد کالروایۀ » : باب أوقات الصلاة
وإن لم یعلم عدالته وفسقه (أي المخبر بالقبلۀ) قبل خبره، لأنّ حال المسلم یبنی علی العدالۀ ما لم » : حجیّته عنده. وقال فی أبواب القبلۀ
یظهر خلافها، ویقبل خبر سائر النّاس من المسلمین البالغین العقلاء، سواء کانوا رجالًا أو نساءاً، ولأنّه خبر من أخبار الدین فأشبه
وإن ورد ماءاً فأخبره بنجاسته صبّی، أو کافر، أو فاسق لم یلزمه » : وقال أیضاً فی أبواب المیاه .«2» « الروایۀ، ویقبل من الواحد کذلک
قبول خبره ... وإن کان المخبر بالغاً عاقلًا مسلماً غیر معلوم فسقه، وعیّن سبب النجاسۀ، لزم قبول خبره، سواء کان رجلا أو أمرأة، حرّاً
أو عبداً، معلوم العدالۀ أو مستور الحال، لأنّه خبر دینی، فأشبه الخبر بدخول وقت الصلاة، وإن لم یعیّن سببها قال القاضی: لا یلزم قبول
والظاهر أنّ اعتماده علی قول مستور الحال من جهۀ أنّ الأصل عندهم .«3» « خبره، لاحتمال اعتقاده نجاسۀ الماء بسبب لا یعتقده المخبر
علی عدالۀ المسلم کما أشار إلیه سابقاً، کما أنّ عدم قبول القاضی لقول من لا یخبر بالسبب فإنّما هو بسبب اختلاف الفتاوي عندهم،
فالمتحصل منها حجیّۀ خبر العدل عنده علی الإطلاق. ص: 69 فلنرجع إلی بیان مصدر القاعدة وما قیل أو یمکن
أن یقال فیه ونقل الأدلۀ علیه:
المقام الثانی: فی مصدر القاعدة
یدلّ علیها الکتاب العزیز والسنّۀ المستفیضۀ، وبناء العقلاء.
الأوّل: کتاب اللَّه
یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِ یبُوا قَوْماً بِجَهَالَۀٍ فَتُصْ بِحُوا عَلَی مَا » : أقوي ما یدلّ علیه هو آیۀ النبأ، قال اللَّه تعالی
وقد ذکرنا فی مباحث خبر الوحد من الاصول أنّه یمکن الاعتماد علی دلالۀ الآیۀ باعتبار مفهوم الوصف فی أمثال .«1» « فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ
المقام، ممّا یکون ظاهره الاحتراز بالوصف عن غیره، ولذا إذا عرضنا الآیۀ علی أهل العرف، وقلنا أنّ الفاسق لا یقبل خبره یفهمون منه
هنا إنّما لبیان فسق الولید، وکفی بذلک فائدة فی ذکر الوصف، فاسد جدّاً، « الفاسق » أنّ خبر العدل مقبول. وما قد یقال إنّ ذکر عنوان
مخالف لما یفهم منه عرفاً. أضف إلی ذلک أنّ الآیۀ لا تقصد بیان قضیّۀ خاصّ ۀ، بل مفادها حکم عامّ، وقانون کلّی بالنسبۀ إلی
أَنْ تُصِ یبُوا قَوْماً » : کما أنّ ذکر العلّۀ وهی قوله تعالی .«... یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ » : المؤمنین کلّهم فی جمیع الموارد، ولذا یقول
لا یدلّ علی اعتبار العلم فی العمل بالأخبار، بل الجهالۀ هنا بمعنی السفاهۀ، وما لا یکون عقلائیاً، « بِجَهَالَۀٍ فَتُصْبِحُوا عَلَی مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ
وحیث إنّ الإعتماد علی خبر الثقۀ أمر عقلائی لیس فیه سفاهۀ ص: 70 ولا ندامۀ ولو تبیّن کونه خلاف الحق،
فهو من قبیل العلم الذي هو جهل مرکب لا ندامۀ فی العمل به، من حیث الإعتماد علی أمر غیر عقلائی، بل من حیث الخطأ، وهو
صفحۀ 37 من 146
محتمل فی جمیع الأمارات الشرعیّۀ والعرفیّۀ وفی حق غیر المعصومین. ومّما ینبغی أن یذکر أنّ مورد الآیۀ وشأن نزولها من
الموضوعات لا من الأحکام، وهو الخبر بارتداد قبیلۀ بنی المصطلق، والعجب من جماعۀ من الأصولیین حیث استدلّوا بها علی حجیّۀ
خبر العدل فی الأحکام، أخذاً بإطلاق الآیۀ، ولم یستدلّوا بها علی حجیّته فی الموضوعات الذي هو موردها، فهل یمکن تخصیص
ولزوم إظهارها، وحرمۀ کتمانها، مثل قوله «1» العموم وتقیید الاطلاق باخراج المورد وشأن نزولها؟ کلّا. وقد یستدل هنا بآیات الشهادة
کُونُوا ...» : وقوله تعالی ، «3» «... وَأَقِیمُوا الشَّهَادَةَ للَّهِ » : وقوله تعالی ، «2» «... وَلَا تَکْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ یَکْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » : تعالی
إلی غیر ذلک. وکأنّهم استندوا فی ذلک «5» «... وَلَا یَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا » : وقوله عزّ من قائل ، «4» «... قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للَّهِ
إلی دلیل اللغویۀ، وأنّ الإظهار لو کان واجباً لوجب القبول، وإلّا کان لغواً، ولکنّ هذا غیر تام، کما ذکر فی أشباهه من وجوب إظهار
العالم علمه وغیره، فانّ دلیل اللغویۀ یدلّ علی أنّ فی الإظهار فائدة، ولکن هذه الفائدة هل هی القبول مطلقاً، أو إذا انضمّ إلیه شاهد
آخر، ولا إطلاق لها من هذه الجهۀ، فانّها لیست بصدد بیان القبول، بل بصدد بیان وجوب الإظهار، وأمّا القبول فإنّما یستفاد من ناحیۀ
أخري، ومن الواضح أنّه یکفی فی عدم کونه لغواً قبولها فی الجملۀ ولو عند وجود شاهد آخر.
الثانی: السنّۀ
هنا روایات کثیرة وردت فی مختلف أبواب الفقه یمکن استنباط حجیّۀ خبر الواحد فی الموضوعات من مجموعها: 1- ما ورد فی
إذا رأیتمّ الهلال فافطروا » : أبواب رؤیۀ الهلال، عن محمد بن قیس، عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام
دلت علی کفایۀ شهادة العدل الواحد فی ثبوت رؤیۀ الهلال، ولکن نصوص الروایۀ مختلفۀ، ففی .«1» « أوشهد علیه عدل من المسلمین
ومن هنا یشکل الاعتماد علیها « أو یشهد علیه بیّنۀ عدول من المسلمین » وفی بعضها الآخر « واشهدوا علیه عدولًا من المسلمین » بعضها
إنّی رأیت الهلال » : بالخصوص. ویؤیده ما روي عن طرق العامّۀ عن ابن عباس قال: جاء اعرأبی إلی النبی صلی الله علیه و آله فقال
یعنی هلال رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلّااللَّه؟ قال: نعم، قال: أتشهد أنّ محمداً رسول اللَّه؟ قال: نعم، قال: یا بلال أذّن فی الناس
سألته عن رجل تزوّج جاریۀ أو تمتّع بها، فحدّثه رجل » : -2 منها ما وردت فی أبواب النّکاح من روایۀ سماعۀ قال .«2» « أن یصوموا غداً
والحدیث ظاهر . «« ثقۀ أو غیر ثقۀ وقال: إنّ هذه أمرأتی ولیست لی بیّنۀ، فقال: إن کان ثقۀ فلا یقربها وإن کان غیر ثقۀ فلا یقبل منه
إن کان البائع (أي البائع للأمۀ) ثقۀ وذکر أنّه » : الدلالۀ علی المقصود. 3- ونظیرها من بعض الجهات ما عن فقه الرضا علیه السلام قال
ص: 72 والأصل وإن کان .«4» « استبرأها جاز نکاحها من وقته، وإن لم یکن ثقۀ استبرأها المشتري بحیضۀ
یقتضی عدم الوطیء فلا یحتاج إلی الإستبراء، ولکن لمّا کان ذلک غالباً فی الإماء کان ظاهر حالهن کونهنّ موطوئات، فلزم الإستبراء،
- إلّاأن یکون البائع ثقۀ، بل الظاهر من الروایۀ أنّ الوطیء أمر مفروغ فیها. هذا، ولکن فی سند حدیث (فقه الرضا) إشکال معروف. 4
من جواز الإعتماد علی أذان المؤذّن العارف الثقۀ، مثل ما رواه عیسی بن عبداللَّه الهاشمی، عن أبیه، عن « أبواب الأذان » ما ورد فی
إلی غیر ذلک ممّا دلّ علی اعتبار أذان المؤذّن مطلقاً المحمول .«1» « المؤذّن مؤتمن والإمام ضامن » : جدّه، عن علی علیه السلام قال
علی العارف بالوقت الثقۀ وإن کان من المخالفین. هذا، ولکنّ الإعتماد علی أذان العارف یمکن أن یکون من باب جواز التعویل فی
دخول الوقت علی الظنّ المطلق، وهو من أسباب الظن، فلا یدلّ علی جواز الإعتماد علیه فی موارد یعتبر العلم فیها، أوما یکون بمنزلته.
علی «2» ،« المؤذن مؤتمن » : فی باب أوقات الصلاة بما روي عن طرقهم عن النبی صلی الله علیه و آله « المغنی » فی « ابن قدامۀ » واستدل
حجیّۀ أذان الثقۀ العالم بالوقت. 5- ما ورد فی أبواب الوکالۀ عن هشام بن سالم، عن أبی عبداللَّه علیه السلام فی رجل وکّل آخر علی
وکالۀ فی أمر من الأمور، وأشهد له بذلک شاهدین، فقام الوکیل فخرج لإمضاء الأمر، فقال: اشهدوا أنّی قد عزلت فلاناً عن الوکالۀ ...
دلّ علی بقاء .«3» « نعم، إن الوکیل إذا وکّل ثم قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً والوکالۀ ثابتۀ حتی یبلغه العزل عن الوکالۀ بثقۀ » : قال
6- ما الوکالۀ علی حکمها، ونفوذ أمر الوکیل إلّاأنّ یثبت له العزل، ومن طرق ثبوت العزل خبر الثقۀ. ص: 73
صفحۀ 38 من 146
سألته عن رجل کانت له عندي دنانیر، وکان مریضاً، » : ورد فی أبواب الوصیۀ عن اسحاق بن عمّار، عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال
فقال لی: إن حدث لی حدث فأعطِ فلاناً عشرین دیناراً، وأعط أخی بقیۀ الدنانیر، فمات ولم أشهد موته، فأتانی رجل مسلم صادق،
فقال لی: إنّه أمرنی أن أقول لک: انظر الدنانیر التی أمرتک أن تدفعها إلی أخی فتصدّق منها بعشرة دنانیر، اقسمها فی المسلمین، ولم
ولکن یمکن الإیراد علی الاستدلال بها من جهۀ أنّ فی کلام .«1» « یعلم أخوه أنّ عندي شیئاً، فقال: أري أن تصدّق منها بعشرة دنانیر
المخبر هنا بعض القرائن الخفیّۀ التی کانت بین الموصی والوصی، ولعلّه یوجب العلم، فیشکل الاستدلال بها علی حجیّۀ خبر الثقۀ إذا
خلا من أمثال هذه القرائن. هذا، ویمکن الجواب عنه مضافاً إلی أنّ مجرّد هذه القرینۀ لا توجب القطع بالصدق، فلعلّه سمع الوصیّۀ
السابقۀ من الموصی أو غیره وأضاف الباقی من قبل نفسه، أنّ تعویل السائل علی عنوان الرجل المسلم الصادق دلیل علی أنّ المرتکز
فی ذهنه کفایۀ قول المسلم الثقۀ فی إثبات الموضوعات، فلو کان هذا باطلًا لوجب نفیه من قبل الإمام علیه السلام، فتدبّر. 7- ما روي
أیضاً فی أبواب نکاح الإماء عن ابن أبی عمیر، عن حفص بن البختري، عن أبی عبداللَّه علیه السلام فی الرجل یشتري الأمۀ من رجل
نعم، یرد علیه أنّه من قبیل إخبار ذي الید وحجیّۀ خبر ذي الید نهی لا .«2» « فیقول: إنّی لم أطأها، فقال: إن وثق به فلا بأس أن یأتیها
تدلّ علی حجیّۀ خبر الثقۀ مطلقاً. هذا، ولکن من المشکل الإعتماد علی الید فی أمثال المقام ممّا غلب علیها الحرمۀ وعدم الجواز، لما
قد عرفت من أنّ الأصل فی الإماء کونها موطوئۀ إلّامن شذّ ص: 74 منهن، وإلّا لوجب الإعتماد علی قول ذي
الید إذا لم یکن متّهماً، ولا یحتاج إلی اعتبار الوثاقۀ کما فی غیرها من موارد حجیّۀ قول ذي الید، فانّ عدم الإتمام کافٍ فیها، ولا یعتبر
الوثاقۀ بالخصوص. فاعتبار الوثاقۀ هنا إنّما هو من باب حجیّۀ خبر الثقۀ فی الموضوعات، ولا دخل له بقول ذي الید. وقد یستدل هنا
اغتسل أبی من » : بروایات أخري لا دلالۀ فیها: منها: ما ورد فی أبواب النجاسات عن عبداللَّه بن سنان، عن أبی عبداللَّه علیه السلام قال
وفیه أنّه قضیۀ .«1» « الجنابۀ فقیل له: قد أبقیت لمعۀ فی ظهرك لم یصبها الماء، فقال له: ما علیک لو سکّت؟ ثمّ مسح تلک اللمعۀ بیده
فی واقعۀ، ولعلّه کان یحصل العلم من قول المخبر، ولیس فی الروایۀ عنوان عامّ یدلّ علی التعویل علی خبر الثقۀ حتی یستدل باطلاقه
علی المقصود، هذا مضافاً إلی اشتمال الحدیث علی بعض المسائل المنکرة، أعنی غفلۀ الإمام عن غسله، وبقائه علی حاله بلا غسل
عن معاویۀ بن وهب وغیره، عن « ما یکتسب به » وإتیان أعماله علی تلک الحال لو لم یخبره المخبر، فتأمّل. ومنها: ما ورد فی أبواب
وفیه مضافاً إلی .«2» « بعه وبیّنه لمن اشتراه لیستصبح به » : أبی عبداللَّه علیه السلام فی جرذمات فی زیت: ما تقول فی بیع ذلک؟ فقال
أنّه من باب حجیّۀ قول ذي الید، ولذا لم یقیّد بکونه ثقۀ، أنّه من قبیل الأخبار المحفوفۀ بالقرائن، لأنّ البائع لا یخبر بنجاسۀ زیته مهما
أمکن، فإذا أخبر یعلم أنّه کان مقطوعاً، لعدم الدّاعی علی هذه الأکذوبۀ عادة لأحد من البایعین، لما فیه من تقلیل قیمۀ المبیع. القواعد
الفقهیۀ، ج 2، ص: 75 ومنها: ما ورد فی قصّۀ إسماعیل ولد الصادق علیه السلام وأنّه دفع دنانیر إلی رجل شارب الخمر بضاعۀ، لیعامل
« فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم » : بها، فأتلف النقود فوبّخه الصادق علیه السلام فاعتذر بأنّه لم یره یشرب الخمر، فقال علیه السلام
نظراً إلی أنّ الجمع المحلّی باللام هنا لیس بمعنی العام المجموعی، لندرة اتفاق جمیع المؤمنین علی الشهادة علی شیء، فیحمل .«1»
علی العام الإفرادي. وفیه أنّه یمکن حملها علی الجمع لا بعنوان الإستغراق، وحمله علی ذلک هنا قریب، لا سیّما بقرینۀ قول إسماعیل
لأبیه فی مقام الإعتذار: سمعت الناس یقولون، فانّ إطلاق النّاس علی الواحد قلیل جدّاً، وبالجملۀ الاستدلال بها علی حجیّۀ خبر الواحد
الثقۀ مشکل. هذا ما ظفرنا به من الأخبار فی هذه المسألۀ فی طیّات کتب الحدیث، وقد عرفت الإشکال فی بعضها، ولکن فی الباقی لا
سیّما مع تظافرها وضمّ بعضها ببعض غنیً وکفایۀ، لأنّها وإن وردت فی موارد خاصّ ۀ إلّاأنّه یمکن إلغاء الخصوصیّۀ عنها بعد ورودها
فی أبواب متفرقۀ. أضف إلی ذلک أنّ حجیّۀ خبر الثقۀ فی الموضوعات کانت مشهورةً عند العقلاء کما سیأتی إن شاء اللَّه. وظاهر
هذه الروایات إمضاؤها، فلو کانت مخت ّ ص ۀ بموارد خاصّۀ وجب علی الإمام التنبیه علیها، لا سیّما مع ذکر هذا العنوان فی کلام الراوي
فی بعض تلک الروایات الذي یدلّ علی أنّه کان أمراً مرکوزاً فی أذهان الرواة ولم یردعهم الائمّۀ علیهم السلام.
صفحۀ 39 من 146
الثالث: بناء العقلاء
ویدلّ علیه أیضاً بناء العقلاء الذي استدلوا به علی حجیّۀ خبر الواحد فی ص: 76 الأحکام، بل جعلوه أهمّ
الدلائل وأقواها وعمدتها، بل أرجعوا سائر الأدلّۀ إلیه. وحاصله أنّهم لا یزالون یعتمدون علی إخبار الثقۀ، فی ما یرجع إلی معاشهم،
وحیث لم یردع عنه الشارع فی ما یرجع إلی معادهم فیکون حجّ ۀ، من دون أيّ فرق بین إخبار الثقۀ فی الموضوعات، أو فی الأحکام.
فما ورد فی القرآن الکریم، أو الروایات الکثیرة التی قد عرفت جملۀ منها، ممّا یدلّ علی حجیّۀ خبر الواحد فی الموضوعات إمضاء
لهذا البناء. وقد عرفت عند ذکر الأخبار الدالّۀ علی المقصود أنّ هذا المعنی کان مرکوزاً فی أذهان الرواة کما یدلّ علیه أسئلتهم، وهذا
أیضاً شاهد علی المطلوب.
الرابع: بناء الأصحاب
اشارة
ویظهر من کلمات الأصحاب وعملهم أنّهم یستندون إلی أخبار الآحاد فی الموضوعات کاستنادهم به فی الأحکام، ویدلّ علی ذلک
أمور: 1- اکتفاء کثیر منهم فی علم الرجال بتوثیق رجل واحد وإن اعتبر بعضهم قیام البیّنۀ وتوثیق رجلین، ولکنّ هذا شاذ، فلو کان
خبر الواحد فی الموضوعات یحتاج إلی التعدّد لم یجز الإعتماد علی واحد فی توثیق الرجال وهو من الموضوعات. قال المحقق
إنّه قد صدر من الأصحاب الإفراط والتفریط فی هذا الباب، فمن الأول ما علیه جماعۀ » : ما نصه « تنقیح المقال » المامقانی رحمه الله فی
منهم الشهید الثانی من قصر الحجیّۀ علی الصحیح الأعلی، المعدلّ کلّ من رجاله بعدلین، نظراً إلی ادراج ذلک فی البیّنۀ الشرعیّۀ، التی
لا تختص حجیّتها بالمرافعات علی الأقوي، لما نطقت بذلک الأخبار الصحیحۀ- إلی أن قال- ووجه کون هذا المسلک إفراطاً أنّ
طریق الإطاعۀ موکول إلی العقل والعقلاء ونراهم یعتمدون فی أمور معاشهم ومعادهم علی کلّ خبر یثقون به من أي طریق حصل لهم
هذا، ولکن یرد علیه بأنّ الاعتماد علی قول علماء الرجال وشهادة الرواة فی ص: 77 .« الوثوق والاطمئنان
تشخیص الثقات من غیرهم إنّما هو فی حصول ما هو الملاك فی حجیّۀ خبر الواحد فی الأحکام، أعنی الوثوق بالروایۀ فإذا حصل
هذا المعنی من أيّ طریق دخل فی عنوان الأدلّۀ. وبعبارة أخري: إذا أخبر ثقۀ بأن محمداً بن مسلم ثقۀ مثلًا لا فائدة فی هذا الخبر إلّا
قبول إخباره، ومن المعلوم أنّه یکفی فی قبول إخباره حصول الوثوق بروایته ولو من طریق اخبار ثقۀ بوثاقته (فتأمّل جیداً). نعم، لو کان
الملاك فی حجیّۀ خبر الواحد علی خصوص آیۀ الحجرات، وکان موضوعها العدالۀ تعبّداً کان عمل العلماء بقول واحد فی تشخیص
العدالۀ والفسق دلیلًا علی المطلوب، ولکن أنّی لنا بإثبات ذلک، وقد ثبت فی محلّه أنّ جمیع أدلّۀ حجیّۀ خبر الواحد ترجع إلی بناء
العقلاء الذي هو الأصل فی المسألۀ، وبنائهم علی الوثوق بالروایۀ من أيّ وادٍ حصل. 2- إنّهم لا یفرّقون فی مسألۀ قبول أخبار الآحاد
بین ما کان مضمونه الحکم الشرعی فقط، أو مع الموضوع الخارجیّ، فاذا أخبر محمد بن مسلم- مثلًا- بأنّه دخلنا علی الصادق علیه
السلام فی یوم الجمعۀ فقال هذا یوم عید، یعملون به، ویفتون بأنّ یوم الجمعۀ یوم عید، مع أنّ الإمام لم یخبر بهذا، بل أخبر بأنّ هذا
الیوم یوم عید، ولکنّ محمد بن مسلم أضاف إلیه بأنّ الیوم کان یوم الجمعۀ، فنقبل إخباره فی الموضوع کما نقبل إخباره فی الحکم
لا فی هذا المبحث، بل بمناسبۀ أخري فی مبحث حجیّۀ قول اللغوي بما نصه: « حقایق الأصول » الشرعی. هذا، ولکن قد أورد علیه فی
إنّ أقوي ما یستدل به علی حجیّۀ قول اللغوي هو ما دلّ علی حجیّۀ خبر الثقۀ فی الأحکام ودعوي أنّ خبر اللغوي لیس متعرضاً للحکم »
القواعد .«1» « لأنّه من الإخبار عن الموضوع فاسدة، لأنّ المراد من الخبر فی الأحکام کلّ خبر ینتهی إلی الخبر عن الحکم ولو بالالتزام
الفقهیۀ، ج 2، ص: 78 ولکن هذا الإعتذار یشکل الإعتماد علیه، ولیس هذا بأولی من أنّ یقال حجیّۀ خبر الواحد لا یختصّ بالأحکام،
صفحۀ 40 من 146
بل تجري فی الموضوعات أیضاً. بل قد ذکرنا فی مبحث حجیّۀ قول اللغوي أنّها ممّا دارت علیه کلماتهم، ولا یزالون یستدلّون بأقوالهم
لتحقیق مفاهیم الکلمات المرتبطۀ بأمور معاشهم ومعادهم، وفی إسناد الوصایا، والأوقاف، وغیرها، حتی أنّ من ینکره باللسان لا
یتجافی عنه فی العمل، وهذا دلیل علی عموم الحجیّۀ فی الموضوعات والأحکام. وممّا قد یستدل به علی العموم قیاس الأولویۀ، قال
بل ثبوت الأحکام الشرعیّۀ به أکبر شاهد علی » : فی ذیل کلام له فی حجیّۀ خبر الواحد فی الموضوعات ما هذا نصه « الجواهر » فی
إنّ الإنصاف بقاء المسألۀ فی حیّز الإشکال، لإمکان التأمّل والنظر فی سائر ما تقدم من المقال بمنع » : وإن ذکر فی آخر کلامه ،« ذلک
وحاصل الکلام أنّ الأحکام مع کثرة أهمّیتها، وکلیتها، إذا ثبتت بخبر الواحد فکیف لا .«1» « بعضه، وعدم ثبوت المطلوب بالآخر
یمکن إثبات الموضوع الجزئی به؟! اللّهم إلّاأنّ یقال إنّ طرق ثبوت الأحکام محدودة، فلذا اکتفی فیه بخبر الواحد، ولکنّ طرق إثبات
الموضوعات کثیرة متعدّدة، قلّ ما یحتاج فیها إلی خبر الواحد، بحیث لو نفی حجیّته فیها لم یحصل إشکال، بخلاف الأحکام فانّ نفی
حجیّۀ خبر الواحد فیها یوجب سدّ باب إثباتها غالباً. ولا یتوهمّ أنّ هذا رجوع إلی إنسداد باب العلم، لأنّ المقصود إمکان کون
الإنسداد من قبیل الحکمۀ لهذا الحکم، لا العلّۀ، بخلاف الموضوعات، کما ذکر فی محله من الأصول. وبالجملۀ لا یمکن الرکون إلی
هذا الدلیل مجرّداً عن غیره، غایۀ الأمر یصلح جعلهمؤیّداً لما مرَّ. ص: 79 وأمّا ما أشار إلیه صاحب الجواهر
رحمه الله فیما عرفت من کلامه فیظهر عدم تمامیته من تفاصیل ما تلونا علیک فی هذه المسألۀ، وأنّ الدلیل علی الحجیّۀ من الکتاب
والسنّۀ ثابت لا یمکن إنکاره عند التحقیق.
أقوي ما یرد علی المختار
وقد » : أقوي ما یرد علی ما ذکرنا من حجیّۀ خبر الواحد فی الموضوعات أمران: الأمر الأول: ما إشار إلیه بعض أعاظم المعاصرین بقوله
« مسعدة بن صدقۀ » یتوهمّ، کما عن غیر واحد منهم، أنّ السیرة علی حجیّۀ خبر الواحد فی الموضوعات مردوعۀ، بما ورد فی ذیل روایۀ
حیث حصرما یثبت به الموضوعات .«1» « والأشیاء کلّها علی هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنۀ » : من قوله علیه السلام
أولًا: » : ولو کان خبر الواحد کالبیّنۀ معتبراً شرعاً لبیّنه علیه السلام لا محالۀ. ثمّ أجاب عنه ،« قیام البیّنۀ علیه » أي: العلم) و ) « الإستبانۀ » فی
بأنّ الروایۀ لیست بصدد الحصر، لوضوح أنّ النجاسۀ وغیرها کما تثبت بهما کذلک تثبت بالإستصحاب وبإخبار ذي الید. ثانیاً: أنّ
الروایۀ غیر صالحۀ للرادعیّۀ لضعفها. ثالثاً: أنّ عدم ذکر إخبار العادلّ فی قبال البیّنۀ والعلم إنّما هو لأجل خصوصیّۀٍ فی مورد الروایۀ،
وهی أنّ الحلیّۀ فی مفروض الروایۀ کانت مستندة إلی قاعدة الید فی مسألۀ الثوب، ومن المعلوم أنّه لا اعتبار لإخبار العادلّ مع الید.
القواعد .«2» « ورابعاً: البیّنۀ فی الروایۀ کما تقدم بمعنی الحجّۀ وما به البیان، وهو الذي دلّت الروایۀ علی اعتباره فی قبال العلم الوجدانی
الفقهیۀ، ج 2، ص: 80 وبعض ما ذکره وإن کان لا یخلو عن إشکال، مثل ما أفاده أخیراً، لما مرَّ علیک من أنّ البیّنۀ فی مصطلح الأخبار
وعدم کونها فی ،« مسعدة » بمعنی شاهدَي عدل، وقد أثبتنا ذلک بدلیل قاطع، ولکن فی بعضها الآخر کفایۀ، مثل عدم اعتبار سند روایۀ
مقام الحصر، وسیأتی إن شاء اللَّه فی الجواب عن الإشکال الثانی ما ینفعک فی المقام أیضاً. الأمر الثانی: أنّ خبر الواحد لو کان حجّۀ
فی الموضوعات، لم یبق حاجۀ إلی البیّنۀ فیها، وکانت حجیّتها نافیۀ لحجیّته. وإن شئت قلت: حجیّۀ البیّنۀ لا یختص بأبواب القضاء، بل
قد عرفت أنّها عامّۀ فی جمیع الموضوعات وإن لم یکن فیها خصومۀ تستدعی القضاء، وحینئذٍ یبقی الکلام فی أنّه لِمَ اعتبر فیها العدد
مع کفایۀ خبر الواحد فیها؟ وبعبارة ثالثۀ: مفهوم العدد لا سیّما فی أمثال هذه المقامات ینفی جواز الرکون إلی خبر الواحد فی
الموضوعات. والإنصاف أنّه أهمّ إشکال یرد علی حجیّته، بل الظاهر أنّ عدم إعتراف کثیر من الأصحاب بحجیّۀ خبر الواحد فیها، أو
تردیدهم فی هذا الأمر، أو قبولهم للحجیّۀ تارةً ونفیها أخري، إنّما نشأ من هذا الإشکال. ولکنّه مع ذلک قابل للدفع، وأنّه یمکن الجمع
بین حجتیهما بحیث لا یکون تمانع وتنافر. توضیحه: أنّ أخبار حجیّۀ البیّنۀ- کما لا یخفی علی من راجعها وتدبّر فیها- ناظرة فی الغالب
صفحۀ 41 من 146
إلی المسائل المالیّۀ والحقوقیّۀ الأخري، والظاهر أنّ ذکر البیّنۀ فیها أنّه وإن لم تکن مورداً للدعوي بالفعل، ولکن قد تؤدّي إلی
المخاصمۀ، فلابدّ من التمسّک بحجّۀ تنفع فی محکمۀ القضاء أیضاً فی المستقبل. ص: 81 مثلًا ورد فی کتاب
ومن الواضح أنّ هذه کلّها أمور مالیّۀ أو حقوقیّۀ ،«4» والبیع ،«3» والدّین ،«2» والطلاق ،«1» اللَّه العزیز حجیّۀ شهادة العدلین فی الوصیۀ
قد تکون فیها المخاصمۀ فی المستقبل، فلابدّ من أخذ شاهدین فیها، حتی إذا انتهی الأمر إلی المحکمۀ یکون ذلک دلیلًا یمکن
الاستناد إلیه فی إثبات المدّعی. نعم، ورد فی بعض ما عرفت من الآیات لزوم الإعتماد علی قول العدلین فی کفّارة الإحرام، وأنّه لابدّ
ولکن لا یبعد أن یکون الوجه فیه أنّ المماثلۀ لیست من الأمور .«5» أن یکون مماثلًا للحیوان الذي اصطاده یحکم به ذوا عدل منکم
الحسیّۀ حتی یُکتفی فیه بخبر الواحد، فأوجب فیه التعدّد حتی یکون بعیداً عن الخطأ. وإن شئت فانظر إلی ما دلّ علی حجیّۀ البیّنۀ من
الذي ورد فی الثوب، والعبد، والمرأة، وکذا ما دلّ من روایۀ یونس علی أنّ استخراج الحقوق بوجوه أربع، « مسعدة » السنّۀ مثل خبر
وما ورد فی .«7» وما ورد فی روایۀ صفوان الجمّال فیمن یکون له المال ویکون له شاهدان فیأخذ حقّه .«6» منها شهادة رجلین عدلین
أبواب النّکاح، والطلاق، وأبواب الوقوف، والصدقات، إلی غیر ذلک ممّا قد یکون محلّاً للتنازع والتشاجر، فانّ اعتبار العدلین فی
جمیع ذلک إنّما هو من باب التهیؤ لإثبات المدّعی عند التنازع. نعم، ورد اعتبار العدلین فی أبواب رؤیۀ الهلال، ولکنّ الظاهر ممّا دلّ
علی هذا المعنی أنّها إنّما تعتبر إذا أراد الحاکم أن یحکم بهما فی حقّ جمیع النّاس، فراجع ص: 82 أبواب
أحکام شهر رمضان، وما یثبت به الهلال. وبالجملۀ لو لم ندع الیقین علی هذا المعنی، فلا أقل من الإعتماد علیه عند ملاحظۀ مجموع
ما دلّ علی حجیّۀ خبر الواحد فی الموضوعات مع ما دلّ علی اعتبار البیّنۀ فیها (فراجع وتدبر).
ملاك حجیّۀ خبر الواحد
فقط؟ کما هو المختار « الوثوق » أو یکفی « العدالۀ » بقی هنا شیء: وهو أنّه بناءاً علی حجیّۀ خبر الواحد فی الموضوعات هل یعتبر فیها
عندنا وعند جلّ المعاصرین، أو کلّهم، فی حجیّۀ خبر الواحد فی الأحکام. الظاهر أنّه یتفاوت الحال بتفاوت الأدلّۀ فی المسألۀ، فإنّ
کان الدلیل هو آیۀ النبأ فظاهرها اعتبار العدالۀ لأنّها المقابلۀ للفسق، وإن کان الدلیل هو الأخبار الخاصّۀ الواردة فی الابواب المختلفۀ
إذا رأیتمّ الهلال فافطروا، أو شهد علیه عدل » : فمقتضاها متفاوت، ففی بعضها اعتبار العدالۀ مثل ما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام
ولکن وقع التصریح بالوثاقۀ فی کثیر من روایاتها کما یظهربالدقۀ فیما مرّ علیک من أدلّۀ المسألۀ، والجمع بینهما .«1» « من المسلمین
فیما ورد فی أبواب الوصیّۀ « فأتانی رجل مسلم صادق » : ممکن بحمل العدالۀ علی الوثاقۀ. وهکذا ما ورد من التعبیر بالصداقۀ فی قوله
فانّه راجع إلی الوثاقۀ، والمتحصّل من جمیعها اعتبار الوثوق، وحینئذٍ یمکن الجمع بینها وبین مفهوم آیۀ النبأ بحمل العدالۀ فیهما أیضاً
فإنّ الإصابۀ . «2» « أَنْ تُصِ یبُوا قَوْماً بِجَهَالَۀٍ فَتُصْ بِحُوا عَلَی مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ » : علی الوثاقۀ، ویؤیده ما ورد من التعلیل فی الآیۀ بقوله تعالی
بالجهالۀ، أو حصول الندامۀ إنّما هو من آثار عدم الوثوق، لا الفسق فیما لا یرتبط بالإخبار، فإذا کان إنسان متحرّزاً عن القواعد الفقهیۀ،
ج 2، ص: 83 الکذب یمکن الوثوق بقوله، وهو داخل فی مفهوم الآیۀ، ولا یکون العمل بقوله معرضاً للندامۀ. وأظهر من الجمیع إذا
کان الدلیل بناء العقلاء أنّه لا شک أنّ بنائهم علی الاعتماد بخبر الثقۀ، من دون ملاحظۀ العدالۀ فیما لا یرتبط بالاخبار، فاذن لا یبقی
:« مصباح الفقیه » شک فی کفایۀ الوثوق، وعدم اشتراط العدالۀ تعبداً. وقد صرح بما ذکرنا بعض المتأخرین والمعاصرین قال فی
الأظهر عدم اشتراط العدالۀ المصطلحۀ، وکفایۀ کون المخبر ثقۀ مأموناً محترزاً عن الکذب لاستقرار سیرة العقلاء علی الاعتماد علی »
أخبار الثقات فی الحسیّات التی لا یتطرق فیها احتمال الخطأ، احتمالًا یعتد به، لدیهم ممّا یتعلق بمعاشهم ومعادهم، ولیست حجیّۀ خبر
لا تعتبر العدالۀ أیضاً فی حجیّۀ الخبر، لأنّ العقلاء لا یخصصون » :« التنقیح » وقال فی .«1» « الثقۀ لدي العقلاء إلّاکحجّۀ ظواهر الالفاظ
اعتباره بما إذا کان المخبر متجنباً عن المعاصی، وغیر تارك للواجبات، إذ المدار عندهم علی کون المخبر موثوقاً به، وإن کان فاسقاً
صفحۀ 42 من 146
إن الحق الحقیق بالقبول » : وقال المحقق المامقانی فی کلام له عند بیان الحاجۀ إلی علم الرجال ما نصه .«2» « أو خارجاً عن المذهب
... إن العمل بالاخبار إنّما هو من باب الوثوق والاطمئنان العقلاي، ومن البیّن الذي لامریۀ فیه لذي مسکۀ فی مدخلیۀ أحوال الرجال
فی حصول الوثوق وعدمه وزواله، فالأخذ بالخبرمن دون رجوع إلی أحوال رجاله تقصیر فی الاجتهاد، وهو غیر جائز، کما لا یجوز
.«3» « الفتوي قبل بذل تمام الوسع
بقی هنا أمران
أحدهما: أنّه هل یعتبر الوثوق الفعلی (الشخصی) أو یکفی الوثوق النّوعی؟ ص: 84 المصرّح به عن غیر واحد
منهم فی باب حجیّۀ خبر الواحد فی الأحکام، وعن بعضهم فی الموضوعات، کفایۀ الوثوق النّوعی، وعدم الحاجۀ إلی الوثوق الفعلی
الشخصی. والظاهر أنّ الدلیل علیه هو بناء العقلاء واحتجاجهم بخبر الثّقات فیما إذا أخبروا بموضوع أو حکم، فإنّهم یرونه حجّ ۀ علی
العبید، ومن شابههم، ولا یصغون إلی إعتذارهم بعدم حصول الوثوق الفعلی، اللّهم إلّاأن یکون هناك قرائن خاصّ ۀ توجب اتهام
المخبر فی خبره، وحینئذٍ لا یبعد ردّه، قبول العذر بوجودها. ثانیهما: هل یکفی مجرّد الوثوق بالروایۀ، وان لم یوثق بالرّاوي، بأن کان
الراوي فاسقاً کذّاباً، أو مجهول الحال، ولکن حصل من القرائن الخارجیّۀ وثوق بنفس الرّوایۀ، فهل تکون حجّۀ؟ وهل یحتجّ به أم لا؟
الظاهر أنّه کذلک لجریان سیرة العقلاء أیضاً علیه، فإنّهم یعتمدون علی أخبار تدلّ القرائن علی صحۀ مضمونها، بحیث یحصل الوثوق
بها، وإن لم تبلغ حدّ العلم، ویحتجّون بمثل هذه الأخبار. ومن هذا الباب ما هو المعروف من المتأخّرین والمعاصرین من حجیّۀ خبر
الضعیف أو المجهول إذا عمل به المشهور، فینجبر ضعفه بعملهم، ولیس هذا إلّامن جهۀ الوثوق بنفس الرّوایۀ، وإن کان الرّاوي
غیرموثوق به. وکذلک ما قال به بعضهم من الإعتماد علی الأخبار المرویّۀ فی الکتب المعتبرة المعروفۀ، وإن کانت هذه القرینۀ محّلًا
للکلام بینهم من حیث ال ّ ص غري، وأنّها توجب الوثوق أم لا؟ ومن هذا الباب أیضاً ما ترویه وکالات الأنباء فی عصرنا من الأخبار
المختلفۀ المرتبطۀ بموضوعات شتّی فی العالم، فکثیراً ما یعتمدون علی أخبارهم فی نقل بعض الأمور، وإن کانوا فاسقین وکذّابین،
ولیس ذلک إلّامن جهۀ الوثوق الحاصل بنفس الخبر بالقرائن المختلفۀ فی مواضع خاصّ ۀ. هذا تمام الکلام فی حجیّۀ خبر الواحد فی
الموضوعات وما یتربط بها، (والحمدُ للّه). ص: 85
13 قاعدة حجیّۀ قول ذيالید
ما المراد